متى سنعود للعمل في المكتب؟ شركات التكنولوجيا الكبرى تحاول التكيف مع السوق الذي اخترعته
السؤال الأهم الذي وجدت الشركات نفسها تواجهه: هل يمكننا تحمل المخاطرة بفقدان أهم خبراء التكنولوجيا لدينا من خلال إجبارهم على العودة للعمل بالمكتب دواما كاملا؟
محمد سناجلة – الجزيرة نت30/5/2021
متى سنعود للعمل في المكتب؟ وهل نحتاج للعودة حقا، وهل يريد أحد العودة أصلا؟ مثل هذه الأسئلة وغيرها يطرحها الموظفون الذين اعتادوا على العمل “عن بعد” بسبب جائحة كورونا كل يوم في مختلف أنحاء العالم، والجميع يبحث عن الإجابة.
- Advertisement -
ولكن الإجابة الخاطئة وبالذات للموظفين في قطاع التكنولوجيا قد تكلف الشركات غاليا.
لماذا؟ لأن الطلب على المواهب في مجال تكنولوجيا المعلومات أصبح كبيرا جدا، والمنافسة محتدمة بين الشركات لاستقطاب المواهب، وبالذات بعد الجائحة أو ربما بسببها.
فقد لاحظ المراقبون وقادة الأعمال أن الجائحة سرعت من التحول الرقمي في مختلف القطاعات بدءا من محلات السوبر ماركت وليس انتهاءً بقطاع الرعاية الصحية. لقد تعلم العالم أن يفعل كل شيء عبر الإنترنت، من طلب الفواكه والخضار من البقالة إلى إظهار أعراض الطفح الجلدي لأخصائيي أمراض جلدية، وقد أدى هذا التحول إلى وضع ضغط كبير على شركات التكنولوجيا من أجل توسيع شبكاتها وأعمالها وقدراتها لاستيعاب هذا الطلب الهائل على خدماتها، وهو ما أدى إلى إجراء عمليات توظيف واسعة في هذه الشركات، وتنافسا شرسا بينها لاستقطاب المواهب.
زيادة الطلب وقلة العرض
وحسب دراسة نشرت نتائجها ماركت ووتش (MarketWatch)، وهي إحدى أكبر المؤسسات التي تراقب تغيرات الأسواق في أميركا والعالم، وجدت أن رواتب العاملين في قطاع تكنولوجيا المعلومات بالولايات المتحدة قد زادت بنسبة 3.6%، لتصل في المتوسط إلى 97.859 دولارا في السنة، بل وزادت رواتب بعض التخصصات داخل القطاع أكثر من غيرها، مثل رواتب محللي الأمن السيبراني بنسبة 16%.
وتسارع هذا الزخم في التوظيف عام 2021، حيث ارتفعت الوظائف الشاغرة المعلن عنها في مجال التكنولوجيا بنسبة 28% بالربع الأول من هذا العام، وانخفضت نسبة البطالة بين العاملين في القطاع إلى 2.4% مقارنة بـ 6% قبل الجائحة.
ورغم أن العاملين في قطاع التكنولوجيا ليسوا كتلة متجانسة، فإن أحدث البيانات الاستقصائية التي أجرتها المؤسسة وجدت أن هناك “اهتماما فاترا” في أحسن الأحوال بينهم للعودة للعمل بدوام كامل في المكاتب.
ويفضل الكثير من الموظفين في القطاع جدولا مرنا ومختلطا لبرنامج الدوام، أي العمل ليوم واحد أو يومين في المكتب أسبوعيا على أن يتم العمل عن بعد في باقي الأيام، وذلك وفقا لأحدث استطلاعات الرأي، وقد أشارت استطلاعات أجرتها ماركت ووتش، ولم تعلن عنها بشكل رسمي بعد، أن أكثر من نصف المستجيبين يفضلون العمل عن بعد لجزء من الوقت على الأقل، وتزيد هذه النسبة إلى 3 من بين كل 4 موظفين بين العاملين الذين تقل أعمارهم عن 35 عاما.
وقد بدأت شركات التكنولوجيا الكبرى مثل فيسبوك (Facebook) وتويتر(Twitter) وألفابت (Alphabet) وغيرها باستيعاب هذه الحقائق الجديدة، وأخذت بتوفير هذه المرونة لموظفيها في العمل بنسب متفاوتة.

البيانات تقول كل الحكاية
- Advertisement -
وتضيف ماركت ووتش أن البيانات تخبرنا بالقصة كلها فـ “نحن في سوق حيث يمكن للتقنيين المهرة اختيار الشركات التي يريدون العمل بها، وذلك مع زيادة الطلب وارتفاع حجم الرواتب، والتنافس الشرس بين الشركات على استقطابهم نظرا لحاجتهم الملحة لمهاراتهم وخبراتهم. وهنا تصبح المرونة في جدول الدوام ضرورة يفرضها واقع الحال، فلا يوجد نقص في الشركات المستعدة للدفع أكثر”.
لذا فإن السؤال الأهم الذي وجدت الشركات نفسها تواجهه: هل يمكننا تحمل المخاطرة بفقدان أهم خبراء التكنولوجيا لدينا من خلال إجبارهم على العودة إلى العمل في المكتب بدوام كامل؟
والإجابة بكل تأكيد: لا، خصوصا أن البديل ربما يكون أكثر كلفة وقد يطلب راتبا أعلى، وهذا يعني أن على الشركات التكيف مع متطلبات سوق العمل الجديد الذي اخترعته.
وبنظرة بسيطة إلى واقع سوق العمل في أميركا مثلا، وبعد تحليل أكثر من مليوني وظيفة تقنية، أن الوظائف التقنية المطلوبة تجاوزت 309 آلاف وظيفة في أبريل/نيسان الماضي فقط، بنسبة زيادة وصلت إلى 60% عن نفس الفترة من العام السابق 2020.
فهم كيفية عمل خبراء التكنولوجيا
لفهم هذا التغير بشكل صحيح علينا أن نفهم كيف يعمل التقنيون، ولنأخذ المطورين مثالا، هم مفكرون مبدعون ويشبهون الكتاب والفنانين حيث يمكنهم تقديم أفضل ما لديهم من خلال العمل وحدهم في بيئة هادئة بعيدا عن ضجيج المكاتب، وهم بحاجة لهذا الهدوء في كتابة وهندسة “الكود” الذي يمكن اعتباره قصيدة أو لوحة فنية، والذي يدعم بعض أكثر الاختراعات المبتكرة في حياتنا.
ولا عجب أنهم كانوا قبل الجائحة يضعون سماعات في آذانهم للهرب من ضوضاء الزملاء في المكتب، فهذا الهدوء يزيد من تدفق أفكارهم. ولتفهم أكثر، تخيل أنك مطور تقني تحاول حل مسألة شائكة جدا في علم البيانات. هل تريد سماع مزاح ونكات زملائك فوق رأسك في المكتب؟
إعادة تصور مكان العمل
ولكن الوحدة والعزلة قد تؤدي لمشاكل في الصحة العقلية، فالبشر كائنات اجتماعية لا تستطيع العيش وحدها لفترات طويلة، لهذا يمكن للشركات استدعاء موظفيها للعمل في المكتب ليوم في الأسبوع أو حتى في الشهر بهدف تحقيق التفاعل الاجتماعي، وعلى المديرين أن يكونوا واضحين أن الهدف من هذا البرنامج إخراجهم من عزلتهم وتحقيق التفاعل الاجتماعي مع زملائهم.
إن هذا يعني إعادة تصور مكان العمل وفق المعطيات الجديدة، حيث لم تعد المكاتب ضرورية على الإطلاق لإنجاز العمل المطلوب. وتبني نموذج العمل المرن هو المستقبل الذي يسعى إليه التقنيون وموظفو شركات التكنولوجيا في العالم.
وقد بدأت شركات التكنولوجيا الكبرى التكيف فعلا مع متطلبات العمل ورغبات موظفيها وحاجاتهم، فغوغل على سبيل المثال بدأت بتصميم وبناء مكان خاص من نوع “كامب فاير” (camp-fire) لعمل مستوحى من حدائق ديزني لاند الترفيهية كما اقترح المدير التنفيذي للشركة مارك بينوف.
لقد عاش العالم وقتا عصيبا أثناء الجائحة، لكن التقنيين أثبتوا أنه لا يوجد شيء لا يمكنهم تخيله وتصميمه وإنجازه أينما كانوا.
المصدر : الجزيرة
التعليقات مغلقة.