اكتشاف أكبر وأغرب فيروس ملتقم للبكتريا حتى الآن
محمد شعبان
تصنف البكتيريا بأنها كائنات حية دقيقة وحيدة الخلية ذات نواة بدائية. وهي كائنات مستقلة ذاتيا، إذ يمكنها القيام بوظائف الحياة الأساسية دون الحاجة لعائل لها.
بينما تصنف الفيروسات -وهي أصغر من البكتريا- بأنها آلات بيولوجية تحتوي على مادة وراثية خاصة بها، كما أنها تحتاج إلى عائل لها لتتكاثر، إذ تنقل مادتها الوراثية إلى داخل العائل المُهاجَم كي تتمكن من ذلك.
ولم يكن هناك حتى الآن فاصل واضح يميز بين الميكروبات باعتبارها كائنات حية والفيروسات باعتبارها آلات بيولوجية. لكن، حديثا اكتشف العلماء قدرات جديدة لنوع من الفيروسات لاقمات البكتريا المسماة بالبكتريوفاج التي تتشابه بها مع الكائنات الحية الأخرى.
فقد تعرف باحثو جامعة كاليفورنيا في بيركلي -في بحثهم الذي نشر في دورية “نيتشر” يوم 12 فبراير/شباط الجاري- على نوع من اللاقمات الضخمة يمكنه أن يمثل حلقة الوصل بين الميكروبات الحية والآلات الفيروسية القاتلة.
لاقمات بكتيريا عملاقة
تعرف العلماء على 351 نوعا مختلفا من هذه اللاقمات العملاقة التي تحتوي على مادة وراثية أكبر أربع مرات مما تحمله الفيروسات التي تستخدمه في افتراس البكتيريا وحيدة الخلية. وهو ما يعد أطول جينوم يُكتشف للاقم بكتيريا حتى الآن.
البكتيريا كائنات حية دقيقة وحيدة الخلية (بيكسابي)
تتحدث جيل بانفيلد المؤلفة الرئيسية لهذه الدراسة والأستاذة بجامعة كاليفورنيا في بيركلي في تصريح لها نقله موقع “فيز أورغ”، قائلة “تعتبر اللاقمات الضخمة المكتشفة حلقة الوصل التي تربط بين لاقمات البكتيريا غير الحية من جهة، والبكتيريا والعتائق من جهة أخرى. ويبدو كأنها جاءت نتاج آلية ناجحة لهجائن كانت بين الفيروسات التقليدية والكائنات الحية التقليدية الأخرى”.
آلية الدفاع ضد اللاقمات الفيروسية
طوّرت البكتيريا نظاما للدفاع عن نفسها ضد أي مهاجمة خارجية تأتيها من الفيروسات على سبيل المثال. فبمجرد مهاجمة لاقمات البكتيريا وإدخال مادتها الوراثية إلى داخل البكتيريا، تفعّل الأخيرة آليتها الدفاعية التي تعرف بنظام كريسبر.
وحديثا تمت إعادة هندسة هذا النظام الدفاعي بواسطة العلماء في تقنية تحمل اسم “كريسبر-كاس9” التي أصبحت تستخدم أداة للتعديل الجيني.
آلية كريسبر الدفاعية للتخلص من المادة الوراثية للاقمات البكتيريا (ويكيميديا)
يقول باسم الشايب باحث الدراسات العليا بجامعة كاليفورنيا في بيركلي “من المثير للدهشة أن نرى كيف طوعت لاقمات البكتيريا نظام كريسبر الدفاعي الموجود في البكتيريا والعتائق من أجل مصلحتها الخاصة”.
فرغم محاولات البكتيريا المستميتة للدفاع عن نفسها، فإن هناك نوعا من اللاقمات الضخمة التي كانت لديها القدرة على المجابهة، وذلك بتصنيعها بروتينا مشابها لبروتين كاس9، الذي يعد جزءا من نظام كريسبر-كاس9 المعاد هندسته. وقد أطلق العلماء اسم كاس-فاي على هذا البروتين المكتشف.
وتعقيبا على ذلك، يقول المؤلف الأول المشارك في الدراسة روهان سكاديفا “تفتح هذه اللاقمات الضخمة آفاقا عديدة لاستكشاف أدوات جديدة يمكن تطويعها في هندسة الجينوم. فمعظم جيناتها غير معلومة الوظيفة، وقد تمثل مصدرا لبروتينات جديدة قد تستخدم لأغراض صناعية أو طبية أو زراعية”.
ضحية الحرب بين البكتريا والفيروسات
تحمل الفيروسات الجينات وتنقلها -عرضيا- بين الخلايا. وبالتالي تساهم في زيادة مقاومة الخلايا للمضادات الحيوية لأنها تنقل أيضا الجينات المقاومة للمضادات الحيوية من بين ما تنقله من جينات.
وبما أن لاقمات البكتيريا توجد أينما وجدت البكتيريا والعتائق (منها البكتيريا الموجودة في الأمعاء)، فإنها بذلك تحمل هذه الجينات الضارة للبشر، مما يؤدي إلى تطور الأمراض التي تصيب الإنسان.
وتضيف بانفيلد “بالتالي كلما كان حجم المادة الوراثية المنتقل كبيرا، كانت فرصة انتقال مثل هذه الجينات الممرضة أكبر”.
نقل المادة الوراثية إلى البكتريا أثناء مهاجمة لاقمات البكتيريا لها (ويكيبيديا)
الخط الفاصل بين الحياة والعدم
يضيف سكاديفا “يعد امتلاك الريبوسومات (وحدات تستخدم في تخليق البروتين) وكذلك القدرة على القيام بعملية الترجمة (تخليق البروتينات داخل الخلية) هو السمة التي تفصل بين الفيروسات والبكتيريا. وقد احتوت بعض اللاقمات الضخمة المكتشفة على آلة الترجمة الخلوية تلك”.
وتستخدم هذه اللاقمات الضخمة مادتها الوراثية الكبيرة لتوجيه الريبوسومات البكتيرية لتخليق البروتينات الخاصة بها وذلك على حساب البكتريا.
وتختم بانفيلد قائلة “تنتشر تلك اللاقمات الضخمة في معظم النظم البيئية المختلفة للأرض، ولا تخص نظاما بيئيا بعينه. وامتلاكها لهذا الجينوم الكبير جعل منها إستراتيجية ناجحة للبقاء. وهي بالطبع إستراتيجية لا نعرف عنها إلا القليل جدا”.
المصدر : الجزيرة
التعليقات مغلقة.