حياة صحية
من أجل حياة صحية أفضل

“يضربك لأنه يحبك”.. القانون لا يحمي الروسيات من العنف الزوجي

436

رغم تناول وسائل الإعلام الروسي قضايا عدة تتعلق بالعنف المنزلي خلال السنوات الماضية، ومناقشة البرلمان الروسي (الدوما) مشروع قانون لحماية النساء من عنف أزواجهن، فإن المحافظين يرون في التدخل التشريعي “مؤامرة ضد الأسرة”.

بحسب تحقيق لصحيفة لوفيغارو الفرنسية، ذكر المراسل آلان بارلوي قصة إيلينا غيرشمان (41 عاما) التي ضربها زوجها أوليغ في المحكمة أمام القضاة والشرطة لتُحمل إلى المستشفى ويخرج هو بحرية.

وبقيت إيلينا تكافح لجمع الأدلة لإثبات هذا الهجوم، بما في ذلك شريط فيديو المراقبة، على أمل إدانة زوجها العنيف الذي لن تزيد إدانته على غرامة بخمسة آلاف روبل (80 دولارا) كحد أقصى، أي أكثر بقليل من مخالفة وقوف السيارات.

- Advertisement -

وقد قدمت إيلينا شكوى إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في عام 2017، بسبب العنف المتكرر، وهي تسعى لحرمان زوجها السابق من حقوقه في الوصاية على الأولاد، ولكنها خائفة ولا تعطي عنوانها لأي شخص ولا تستخدم سيارتها ولا رقم هاتفها ولا ترسل ابنتها إلى المدرسة.

وتقول إلينا إن النساء في وضعها لا يتمتعن بأي حقوق، بل إنهن “قد يجدن أنفسهن المذنبات إذا حاولن الدفاع عن أنفسهن”.

بحكم القوانين الروسية قد تجد المرأة المعنفة نفسها مذنبة (مواقع التواصل الاجتماعي)
بحكم القوانين الروسية قد تجد المرأة المعنفة نفسها مذنبة (مواقع التواصل الاجتماعي)
قطع الأيدي
وفي سياق التحقيق، يسوق الكاتب قصة مارغريتا غراتشيفا (27 عاما) التي تحولت حياتها إلى رعب في أواخر 2107 بسبب غيرة زوجها ديمتري الذي أصبح يتمادى في إذلالها، ولم يتحمل أن تطلب منه أم ابنيه الطلاق، فقادها إلى غابة وربطها بشجرة قبل أن بقطع كلتا يديها بفأس.

لم تمت مارغريتا، بل إن الأطباء تمكنوا من إنقاذ يدها اليسرى، كما أن ديميتري وثق بشكل لا يصدق على الإنترنت ما قام به، متبجحا بنجاحه في تشويه ضحيته دون قتلها أو تركها تنزف كثيرا.

وقد تصدرت قصة هذه الشابة العناوين الرئيسية ولكن الخوف لم يغادرها بعد، وقد قالت للوفيغارو إنها لولا كل هذا الضجيج الإعلامي ما كان لزوجها أن يحكم عليه بالسجن 14 عاما، مضيفة “أنا قلقة ماذا سيحدث إذا حصل على الإفراج المبكر؟ الدولة والشرطة لا تحمينا”.

غياب التشريعات
ورغم أن العنف العائلي ليس الأعلى في روسيا مقارنة بأوروبا أو الولايات المتحدة، لكن المشكلة في هذا البلد هي أن هذا العنف لا تعتبره الدولة خطيرا، ومن ثم لا توجد تشريعات محددة للوقاية ومساعدة ضحاياه.

وتقول المحامية مارينا مورافيوفا إن أي “امرأة وقعت ضحية للعنف المنزلي لا تعرف بمن تتصل ولا إلى أين تذهب”، حيث لا يوجد في روسيا سوى 15 مأوى تديرها الدولة، في حين يوجد في السويد حوالي مئتا مأوى، كما أن الشرطة “لا تحبذ التعامل مع هذه الحالات التي يصعب التحقيق فيها”.

من جهة أخرى، تقول مارينا بيسكلاكوفا باركر، مديرة جمعية آنا التي تدعم ضحايا العنف المنزلي، إن”90% من بين 32 ألف امرأة اتصلت بنا العام لم تقدم أي شكوى”.

- Advertisement -

وتقول إن “عدم تجريم العنف المنزلي أسفر عن شعور بالإفلات من العقاب لدى المهاجمين وأدى إلى زيادة العنف”، حيث أقرت روسيا عام 2017 قانونا ينقل العنف “ضد الأقارب” إلى فئة الجرائم الإدارية التي يعاقب عليها بالغرامة فقط.

عدم تجريم العنف المنزلي أسفر عن شعور بالإفلات من العقاب لدى المهاجمين (مواقع التواصل )
عدم تجريم العنف المنزلي أسفر عن شعور بالإفلات من العقاب لدى المهاجمين (مواقع التواصل )
“جريمة بسيطة”
وقد دافعت السيناتور إيلينا ميزولينا عن إلغاء التجريم قائلة إن “إمكانية فرض عقوبات جزائية على العنف العائلي يمكن أن تسبب أضرارا لا يمكن إصلاحها للعلاقات الأسرية”، وهو ما وافق عليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ذلك الوقت.

وقال رئيس الكرملين في عام 2015 إن “التدخل المفرط في شؤون الأسرة أمر غير مقبول. يجب أن يكون القانون أكثر إنسانية بالنسبة لأولئك الذين يرتكبون جريمة بسيطة”.

ونتيجة لإزالة التجريم، يرى الخبراء أن الجرائم المحلية كالقتل والإيذاء البدني ارتفعت بين عامي 2015 و2018، من 33300 إلى 49600، وفقا لدراسة أجرتها جامعة ولاية سانت بطرسبرغ، مشيرة إلى أن من بين ضحايا العنف الأسري 86% من النساء.

ووفقا لأرقام استشهدت بها رويترز، تموت كل عام ما بين عشرة آلاف و14 ألف امرأة في روسيا على يد شريكها أو أحد أفراد أسرتها، كما يموت أكثر من ألف رجل في حالات تستهدف كبار السن والرجال، يعزى بعضها إلى الكحول والمخدرات.

ويبدو للمراسل أن الدولة الروسية تحجم عن مواجهة الواقع، حتى إن نائب وزير العدل ماكسيم غالبرين كتب مؤخرا في رده على المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي شجبت روسيا في الصيف الماضي إن “حجم المشكلة وخطورتها وطبيعتها التمييزية ضد المرأة مبالغ فيها”، وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف “ربما تكون هناك مشكلة لكنها ليست على جدول أعمال الإدارة الرئاسية”.

قانون غير رادع
ومع ذلك -يقول المراسل- ساهمت الحالات العنيفة التي وقعت خلال العامين الماضيين في بدء مشروع قانون جديد، صدر نصه في 29 نوفمبر/تشرين الثاني، ولكن دون الرجوع عن إلغاء التجريم.

ويعتبر المحامون وجمعيات الدفاع عن الضحايا هذا النص غير كافٍ، كما يدينون التنازلات المقدمة -حسب رأيهم- للجماعات المحافظة التي تشجب ما تعتبره “مؤامرة ضد الأسرة”.
اعلان

وأشار المراسل إلى أن هناك اعتراضات قوية على القانون، خاصة أن الكنيسة الأرثوذكسية ترى أن العنف “لا يتفق مع القيم الروحية والأخلاقية الروسية التقليدية”، ويقول البطريرك كيريل إنه “لا يمكن السماح بأي عنف داخل الأسرة”، إلا أنه مع ذلك يرى الاقتحام في الحياة الأسرية أمرا خطيرا.

أما رئيس اللجنة الاستشارية التي تمولها الدولة بافل باجيغايلو، فيرى في الأمر نفوذ الولايات المتحدة والمنظمات النسوية، “أتساءل عما إذا كانت هذه ليست محاولة لبدء ثورة ملونة”، مضيفا “إذا قام بضربك، فذلك لأنه يحبك”.

المصدر : الصحافة الفرنسية

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.