“حياتك تستاهل”.. هل تنجح أول عيادة لمواجهة الانتحار بمصر؟
على كرسي متهالك جلست الفتاة في حديقة مستشفى العباسية للأمراض العقلية (شرق القاهرة) ويبدو عليها الإرهاق الشديد تنظر دورها لتبدأ رحلتها مع العلاج لمواجهة الأفكار الانتحارية التي تواجها منذ ثلاث سنوات، لعل الله يكتب لها النجاة.
الثلاثينية التي جاءت برفقة والدتها وأخيها الأكبر، انتابها القلق والملل من طول الانتظار وسط محاولات من أهلها تحثها على التشبث بالأمل ولا تترك نفسها فريسة لليأس.
وتقول نرمين (تحفظت على ذكر لقبها) إنها حاولت الانتحار أكثر من مرة وبطرق متعددة ولكنها دائما ما تفشل في اللحظات الأخيرة بسبب يقظة أهلها، بحسب حديثها للجزيرة نت.
ورغم معاناتها من حالة اكتئاب منذ ثلاث سنوات فإنها كانت ترفض العلاج خوفا من الصورة الذهنية السلبية لدى أغلب المصريين حول المرضى النفسيين، قائلة “بخاف يقولوا مجنونه” لتستسلم مؤخرا إلى رغبة أهلها في ضرورة تلقي العلاج.
تزايد حالات الانتحار
وفي الأشهر القليلة الماضية، تزايدت أخبار الانتحار في وسائل الإعلام المحلية خاصة بين الشباب، حيث رصد تقرير حقوقي صادر عن المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان 39 حالة انتحار خلال مارس/آذار الماضي.
وخلال الأيام الماضية أقدمت خمس فتيات على الانتحار في ثلاث محافظات، بينهن ثلاث من أسرة واحدة، وقد شهد أبريل/نيسان الماضي 15 حالة انتحار، وفق رصد مراسل الجزيرة نت.
وتحتل مصر المرتبة 96 عالميا من حيث حالات الانتحار بين صفوف الشباب حول العالم، حيث يتجاوز عدد المنتحرين 4250 منتحرا سنويا، وفق دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية عام 2017.
كما يعاني 24.7% من المصريين من مشاكل نفسية، وفق ما أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في أبريل/نيسان 2018.
عيادة حكومية
هذه الأرقام المقلقة حول انتشار الظاهرة دفع بوزارة الصحة لإطلاق حملة تحت عنوان “حياتك تستاهل تتعاش” تضمنت افتتاح أول عيادة حكومية متخصصة لمواجهة الانتحار.
وتهدف الحملة إلى مواجهة الظاهرة ورفع وعي المجتمع بمخاطر الانتحار وأسبابه وآليات الوقاية منه والحد من الوفيات الناجمة عنه، وفق ما أوضحت منن عبد المقصود رئيس أمانة مستشفيات الصحة النفسية بالوزارة.
وتعمل عيادة مواجهة الانتحار على مدار الأسبوع (منها ثلاثة أيام مساء) والكشف بالمجان أول مرة، وفي حال التردد على العيادة أكثر من مرة يدفع المواطن عن كل زيارة خمسين جنيها (نحو ثلاثة دولارات تقريبا).
وخلال الشهرين الماضيين استقبلت الأمانة للصحة النفسية أربعين مكالمة تتعلق بالانتحار معظمها من محافظات الصعيد.
وعن طرق العلاج، يقول أحد الخبراء النفسيين العاملين بالعيادة -تحفظ على ذكر اسمه- إن الرغبة في الانتحار مرض نفسي ويمكن علاجه، من خلال عدة جلسات مع المريض تساعده في تصحح بعض المفاهيم المغلوطة لديه، وتساعده أيضا على التفكير فى الحياة بشكل طبيعي والاستفادة منها، وتجاوز العقبات التي تظهر أمامه.
وأشار الخبير النفسي -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن أغلب حالات الانتحار التي تقع بين الشباب خاصة الفتيات تكون بدافع لفت الانتباه، أو شعورهم بعدم الاهتمام من المحيطين.
ويواجه العلاج أزمة كبيرة بسبب الصورة الذهنية السيئة المنتشرة عن المريض النفسي، ولذلك ينصح الخبراء النفسيون العاملون بالعيادة المصريين الاهتمام بأبنائهم الذين يواجهون أفكارا انتحارية ومساعدتهم في التخلص منها بعرضهم على العيادة، وإبعادهم عن الوسائل المستخدمة في الانتحار مثل “المواد السامة والأسلحة البيضاء والأحبال”.
هل تنجح؟
وعن مدى نجاح الحملة في الحد من ظاهرة الانتحار، يرى استشاري الطب النفسي أحمد عبد الله أن خدمات الأمانة العامة للصحة النفسية في مصر تتطور بشكل إيجابي.
وأوضح في حديثه للجزيرة نت أنه من المبكر الحكم على التجربة الآن، إلا أنها في المجمل تستحق الإشادة والدعم.
في المقابل، ترى استشاري الطب النفسي والأسري عبير طلعت أن تقليل نسب الانتحار متوقف على الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
وأوضحت في حديثها للجزيرة نت أنه في ظل الظروف الحالية من المتوقع زيادة نسب الانتحار، بسبب حالة اليأس التي أصابت الشعب بعد ضياع الأمل في غدِ أفضل، بحسب وصفها.
وحتى تجني الدولة ثمار تلك التجربة بجانب الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، طالبت الخبيرة النفسية بتعميم تجربة العيادة في ربوع مصر، بسبب التكلفة المادية على المرضى في العيادات الخاصة.
ومنذ قرار الحكومة تعويم الجنيه نهاية 2016، تشهد أسعار السلع والخدمات ارتفاعات متواصلة، خاصة مع الرفع التدريجي لدعم الوقود والسلع التموينية، وقبل أيام أوضح تقرير للبنك الدولي أن 60% من السكان فقراء أو مهددون بالفقر.
التعليقات مغلقة.