لا توجد وصفة سحرية واحدة تخبرك بمدة ممارسة الرياضة المطلوبة يوميا أو التحكم فيها، لكن هذا لا يعني أن الأرقام ليست مهمة، لأن استخدام الأرقام لمعرفة مقدار التمارين التي نمارسها يلعب دورا مهما في تحقيق الفائدة منها. وقد أجمع الباحثون على أن “عدد الخطوات التي نمشيها، يُعد مقياسا مبدئيا للحكم على إجمالي نشاطنا اليومي”.
وعندما يتعلق الأمر بالمشي، فإن الرقم الأكثر شيوعا منذ فترة طويلة، للخطوات التي يجب أن نمشيها يوميا لتحسين صحتنا، هو 10 آلاف خطوة. والذي بناء عليه انطلقت عام 1965 حملة تسويقية لعداد الخطوات الياباني “مانبو- كي” (Manpo-kei) -وتعني 10 آلاف خطوة باليابانية- للمساعدة في تتبع خطوات المشي، وفقا لهذه الطريقة التي استمرت إلى الآن، وأصبحت مبرمجة على ساعات ذكية شهيرة، مثل “فيتبيت” (Fitbit).
حتى جاءت دراسة أميركية لتفند هذه النظرية، معتبرة أنها “نوع من المبالغة” وأن 10 آلاف خطوة يوميا يعد رقما تعسفيا ومحبطا. في وقت لا يزال فيها الكثيرون يعملون من المنزل، ولا يستطيعون السير طويلا دائما.
7000 خطوة تكفي
اعتبرت د. ليندسي بوتومز، خبيرة فسيولوجيا التمارين والصحة بجامعة هيرتفوردشاير، أن “المشي 10 آلاف خطوة كل يوم مفيد بالتأكيد، وفقا لدراسات أظهرت أن ممارسة هذا الأمر يمكن أن تحسن الصحة العقلية والبدنية، وتقلل من خطر الإصابة بمرض السكري”.
غير أنه تتزايد الأدلة على أن المشي، أقل من 10 آلاف خطوة، لا يزال مفيدا للصحة. وتأتي في مقدمتها دراسة سبق الإشارة إليها، قادتها جامعة ماساتشوستس، وتم نشر نتائجها بمجلة “جاما نيتورك” (Jamanetwork) مطلع هذا الشهر. وشارك فيها 2100 شخص من خلفيات عرقية مختلفة، تتراوح أعمارهم بين 38 و50 عاما، وكانوا يمشون ما لا يقل عن 7 آلاف خطوة يوميا (حوالي 5 كلم تقريبا) على مدى 11 عاما.
وبعد تجارب مستفيضة شارك فيها باحثون من جميع أنحاء الولايات المتحدة، اتضح أن أولئك الذين يمشون 7 آلاف خطوة يوميا تمتعوا بصحة شرايين أفضل، وكانوا أكثر حماية من الإصابة بالأمراض، وخصوصا مضاعفات القلب الخطيرة، وانخفض لديهم خطر الوفاة المبكرة بنسبة من 50 إلى 70% خلال تلك الفترة (58% بين الرجال و72% بين النساء) مقارنة بمن لا يمشون يوميا.
وانتهي مؤلفو الدراسة إلى أن “المشي أكثر من 10 آلاف خطوة، في اليوم، لم يكن مرتبطا بمزيد من الانخفاض في مخاطر الوفاة. لأنه بعد نقطة معينة، لا يكون للخطوات الإضافية فائدة”.
وكان من النتائج المثيرة للاهتمام، بهذه الدراسة، أن خطر الموت لم يكن مرتبطا بسرعة الخطوة أو قوتها. فإذا قام شخصان بنفس العدد من الخطوات، فلن يكون لدى الذي يقوم بها بسرعة منخفضة خطر أكبر للموت، مقارنةً بالذي يقوم بها بسرعة أو بقوة أعلى.
علما بأن الشخص العادي يستغرق حوالي 70 دقيقة، ليمشي 7 آلاف خطوة بوتيرة سريعة، مقابل حوالي ساعتين يحتاجهما لـ 10 آلاف خطوة بنفس السرعة.
أدلة سابقة بنفس الاتجاه
علق د.غاي مينتز، طبيب القلب بأحد مستشفيات نيويورك، على نتائج الدراسة السابقة بشكل إيجابي، قائلا “هذه دراسة رائعة للغاية، تقدم رسالة مفادها: امش أكثر، تعش أطول. لا حاجة لصالة الألعاب الرياضية، ولا لشراء معدات، فقط ابدأ المشي”.
فقد استندت نتائج الدراسة إلى أبحاث أكدت أن زيادة الخطوات اليومية قد تضيف سنوات للعمر. حيث اكتشف تحليل في النرويج أن مزيدا من الخطوات يقلل من معدلات الوفيات بنسبة تصل إلى 57%. كما وجدت دراستان، بالولايات المتحدة، أن 4 آلاف خطوة، فقط يوميا، قد تقلل معدل الوفيات بنحو 30%.
بالإضافة إلى دراسة كلية الطب بجامعة هارفارد، التي أشرفت عليها د. آي- مين لي، وركزت على مجموعة تضم أكثر من 16 ألف امرأة في السبعينات من أعمارهن، على مدى نحو 4 سنوات و3 أشهر. وأسفرت عن خفض متوسط الخطوات إلى حوالي 4400 خطوة، باعتبار أن هذا المعدل يقلل من خطر الوفاة المبكرة لدى كبار السن بنسبة 30%.
وأظهرت نتائج الدراسة -التي نشرتها جاما نيتورك أيضا عام 2019- أنه بدءا من 4 آلاف خطوة يوميا، في المتوسط، يُعد كافيا لخفض معدل وفيات النساء من كبار السن.
ولعل فارق السن بين الفئات المشاركة بالدراستين (ماساتشوستس وهارفارد) هو ما يفسر كيف يمكن أن يساهم انخفاض معدل الخطوات في خفض معدلات الوفيات لدى الكبار، الذين يحتاجون لنشاط أقل، للحصول على فوائد صحية مماثلة.
ساعات وتطبيقات
وفي حين توصي منظمة الصحة العالمية البالغين بممارسة ما لا يقل عن 150 دقيقة من التمارين المعتدلة الشدة، أو 75 دقيقة من التمارين القوية أسبوعيا، لا يفي واحد من كل 4 من سكان العالم بهذه التوصية، رغم أن معظم الدراسات تعزز فكرة الفوائد الصحية للمشي أقل من 10 آلاف خطوة يوميا.
ومع ذلك، إذا كنت ترغب في المزيد من الخطوات لتحسين صحتك، فقد أظهرت الأبحاث أن زيادة خطواتك بمقدار ألف خطوة، يوميا، قد تكون له فائدة كبيرة.
أما عن “أجهزة عد الخطوات” القابلة للارتداء، والتي زاد عدد مستخدميها من نصف مليون شخص عام 2012 إلى قرابة 30 مليونا عام 2019، فقد اعتبرت د. أماندا بالوش، المشرف الرئيسي على الدراسة، أن “الخطوات المُقاسة بواسطتها يمكن أن تكون مقياسا لتتبع النشاط البدني وتعزيزه”.
فإن كنت لست بحاجة إلى شيء مكلف للمساعدة في حساب الخطوات، فهناك العديد من التطبيقات المجانية للهواتف الذكية التي تعمل بشكل جيد للغاية. ومنها على سبيل المثال “بيسر” (Pacer)، “فيتبيت” (Fitbit)، “غوغل فيت” (GoogleFit)، “آبل هيلث” (AppleHealth).