في عام 2012، أصدرت الروائية الأيرلندية ماريان كيز كتابها “أنقذتني الكعكة” (Saved by Cake)، الذي تحدثت فيه عن “كيف ساعدها الخَبز في تجاوز بعض الأوقات الصعبة، التي لم تكن تستطيع فيها حتى النهوض من الفراش”.
فهناك شيء ما في الرائحة المتصاعدة أثناء الخَبز، يمنحنا شعورا بالراحة، ويعزز حالتنا النفسية، ويجعلنا في مزاج أفضل. فالخَبز هواية منزلية رائعة، نمارس من خلالها نشاطا إبداعيا هادفا، يوفر لنا طعاما لذيذا، ويتطلب جهدا بدنيا، ويساعد في تعزيز حالتنا النفسية، وجعلنا أكثر قوة، وفقا للخبراء.
تقول الدكتورة دونا بينكوس أستاذة العلوم النفسية في جامعة بوسطن “إن الخَبز يمكن أن يسمح للناس بالتعبير عن أنفسهم بشكل خلاق”، أما مارتن بريستون خبير الصحة النفسية والسلوكية، فقد وضع لصحيفة مترو (Metro) البريطانية، طرقا تجعل القيام بالخَبز مفيدا للصحة النفسية والجسدية، من خلال الفوائد الصحية الخمس التي يمكن أن تتحقق من مجرد خبز كعكة.
-
تقليل التوتر والقلق
تقول عالمة النفس كيمبرلي ويلسون إن الخَبز “مهارة متعددة الأبعاد، تتيح ممارسة جيدة للانتظار والصبر، قبل الحصول في النهاية على شيء يُشعرك بالرضا لأنك أنجزت شيئا ما”.
فقد وجدت دراسة استقصائية أجرتها إحدى شركات المخابز البريطانية الكبرى عام 2015، أن “الخَبز له العديد من الصفات العلاجية، ويمكن أن يساعد في تخفيف التوتر”. حيث ذكر واحد من كل 3 أشخاص أنهم شعروا بالتوتر والضغط لأكثر من 5 سنوات، وأن 80% منهم مارسوا هواية الخبز، ووجدوا أنها “يمكن أن تجلب العديد من الفوائد النفسية”. وقال جون وايت ممثل الشركة “إن شيئا بسيطا مثل صنع كعكة، له تأثير إيجابي على مشاعرنا”.
كما أظهرت دراسة نُشرت في مجلة علم النفس الإيجابي عام 2018، “أن الذين شاركوا في نشاط عملي مثل الخبز، شعروا بسعادة أكبر خلال الأيام التالية”.
فقيامك بالخَبز بنفسك يساعد في تقليل هرمون التوتر والإجهاد “الكورتيزول”، مما يخفض مستويات التوتر والقلق، ويكون له تأثير بشكل غير مباشر على جودة النوم، ومستويات المناعة، وضغط الدم، وغير ذلك من المميزات التي تجعل نشاط الخَبز في حد ذاته جيدا لصحتك العامة أيضا.
كما وجد الباحثون في استطلاع شمل ألفين من هواة الخَبز، أن “ثلثي البريطانيين يعتقدون أن الخبز يحسن مزاجهم عندما يشعرون بالضعف”، وأن العاطفة الغالبة التي أثارها المشاركون عند الخبز هي السعادة، يليها الشعور بالهدوء والتركيز.
لذا تؤكد الدكتورة نيكول بيركنز، مؤلفة كتاب “الحياة ستكون أفضل” (Life Will Get Better)، أن حركات العجن والخلط والوزن المتكررة، وتزيين المخبوزات، يمكن أن تكون مهدئة وتقلل من الإجهاد، “لأن للخَبز نقطة بداية ونهاية محددة، تساعد الناس على الشعور بالسيطرة والهدف، وكلاهما يساعد في درء مشاعر الإرهاق والاكتئاب”.
-
تعزيز الثقة بالنفس
الخَبز عملية إبداعية ذات مردود سريع، تنقلك في غضون ساعة من المكونات إلى المنتج النهائي، مما يجعلك تشعر بمزيد من الثقة والاستعداد للتعامل مع شيء أكبر. لذا يرى مارتن “أن اتخاذ قرار بخبز شيء ما، هو تحديد لهدف قابل للتحقيق، يعزز احترامك لذاتك”.
بالإضافة إلى أن تلقي ردود الفعل الإيجابية المشجعة على مخبوزاتك “يساعدك في التغلب على أفكار النقد الذاتي التي تهاجمك طوال الوقت”، وهو ما يمكن أن يمنحك مزيدا من الثقة والقدرة على مواجهة التحديات.
قد يكون الأمر مزعجا عندما لا تنجح الكعكة كما هو مخطط لها، لكن “لنتذكر أن هذه الأمور تحدث، ونحاول الاعتراف بمشاعرنا دون أن نجلد ذاتنا، ونجعل من هذا الوقت فرصة لنتعلم قبول أخطائنا”، وفقا لنصيحة جوليا بونسونبي، مؤلفة كتاب “فن التركيز في الخَبز” (The Art of Mindful Baking).
-
تحسين الإبداع
لا يؤدي الإبداع في تزيين كعكة لإسعادك في الوقت الحاضر فقط، بل يمتد لما بعد، بحسب مارتن الذي يضيف أنه “يمكن لنشاط إبداعي مثل الخَبز، أن يساعد العقل على التركيز في إضافة اللون والملمس والميزات الزخرفية، من خلال تهدئة الدماغ والجسم”. وهو نفس ما يحققه تأليف الموسيقى أو الرسم، عبر نسيان ضجيج الأفكار اليومية وتجربة ما يُسمى بالتدفق، “تدفق حواس اللمس، والشم، والبصر، والذوق، أثناء الانخراط في الخَبز”، بحسب نيكول بيركنز.
كما أن الخَبز يُعد طريقة فعالة أيضا لتقليل أعراض الخرف، وتحسين الذاكرة والقدرات المعرفية.
-
المساعدة في بناء العلاقات
ولأن العزلة ليست صحية غالبا، لما تثيره من مشاعر الاكتئاب، فسنجد أن الخَبز الجماعي يمكن أن يحوّل تلك المشاعر السلبية إلى إيجابية مريحة. فالخَبز في بيئة جماعية يُسهّل تكوين صداقات ويوفر مناسبة للتواصل مع الآخرين، حيث”تزداد مشاعر الأمان والثقة والانتماء”، كما يقول مارتن.
كما أن “صنع الكعك للآخرين يُشعر بالتحسن أيضا، حيث يُعد صنع الطعام وتقديمه تعبيرا عن الحب في معظم البلدان”، كما تقول الدكتورة سوزان وايتبورن أستاذة العلوم النفسية في جامعة ماساتشوستس. وهو ما تؤيده الدكتورة تريسي توماس، قائلة “إن الخَبز عملية مليئة بالحب، تُطلق هرمونات السيروتونين والدوبامين التي يتم إفرازها عندما يفعل الناس شيئا يثير ذكريات الأوقات الجميلة”.
-
تعزيز الصحة الجسدية
“عند الخَبز، تكون أيدينا هي أدواتنا التي تعمل في انسجام تام مع أدمغتنا وعواطفنا، لتحقيق الأفكار التي تنمو في خيالنا”، بحسب جوليا بونسونبي التي تضيف أننا “في مرحلة العجين، يجب أن نستخدم مجموعة من الحركات، وتكون لدينا قوة عضلية جيدة، وتوازن سليم، لنكون قادرين على الحكم على النسب والمقادير والوقت، والتركيز”. مما يجعل من الخَبز تمرينا في حد ذاته. وقد ثبت أن ممارسة النشاط البدني -مهما قلَّ- “تعزز صحتنا العقلية”، وفقا لمارتن.
الخَبز إذن “نشاط حركي، أكثر مما نتخيل، نعم ليس مثل الركض، لكنه أفضل من الجلوس على الأريكة”، على حد تعبير بونسونبي.