هل توجد حياة في الفضاء.. الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يُخبرنا الآن
هل نحن وحدنا في الكون؟ سؤال حيّر البشر منذ الأزل من علماء وعوام، وحاول الإنسان إيجاد جواب له. فهناك من التجأ للمنجمين، وآخرين صدّقوا الأساطير، وقِسم حاول تفسير النصوص الشرعية بما يؤيد قناعاته.
البحث الجاد والدؤوب عن علامات للحياة خارج كوكب الأرض بدأ منذ منتصف القرن العشرين. وعندما نقول “حياة” فإن الكلمة تشمل كل أشكال الحياة، سواء أكانت بالمعنى البسيط البدائي على شكل خلية، وصولاً إلى كائنات تملك حضارة أكثر تقدماً من الحضارة البشرية.
لكن رغم تطوّر إمكاناتنا التقنية وقدرة وكالات الفضاء على رصد أسبار الكون، فإن أمر اكتشاف الحياة في الفضاء زاد تعقيداً. فعلى سبيل المثال، تمكن مسبار كيبلر وحده الذي أطلَقته وكالة ناسا عام 2009 من اكتشاف أكثر من 1000 كوكب خارجي في نحو 440 نظاماً نجمياً مشابهاً لنظامنا الشمسي، لكن كل هذه الاكتشافات بِما جَلَبَتهُ من بيانات ضخمة، جعلت مهمة تحليلها ودراستها مهمة أقرب إلى المستحيل.
منذ بدء أبحاث الفضاء وإلى يومنا هذا، تُعتمد آليات محددة لاكتشاف أي علامة للحياة الخارجية، منها رصد الأضواء المنبعثة من الكواكب، أو تحليل الموجات الراديوية التي تُلتقط.
لكن ذلك أيضاً لم يوصِل إلى نتيجة قاطعة، والسبب أن الفضاء الخارجي مليء بالأضواء، وفي الوقت نفسه فإن الموجات الراديوية الموجودة حولنا تكاد تصم الآذان، ومصدر معظم تلك الموجات والأضواء هو انعكاسات أرضية أو من المركبات الفضائية والأقمار الصناعية.
ومع تنامي قدرات خوارزميات الذكاء الاصطناعي ومنها أنظمة التعلم الآلي والعميق والشبكات العصبية، التجأ مجتمع علماء الفضاء إليها لعلهم يجدون فيها ضالتهم.
البداية من مشروع “سيتي”
يشير مصطلح “سيتي (SETI)، إلى الجهود المبذولة للعثور على حياة ذكية متطورة خارج كوكب الأرض، وذلك من خلال البحث في الكون عن علامات الحضارات المتقدمة.
وتشير النظرية التي تقوم عليها “سيتي” إلى أنه قد تكون هناك حضارات متقدمة في الفضاء، وربما ترسل إشارات يمكننا التقاطها، ويمكن أن تظهر هذه الإشارات كرسائل معينة، أو انبعاثات غير مقصودة من التكنولوجيا المتقدمة، أو حتى دليل على مشاريع هندسية ضخمة.
ولكن كيف يساعد الذكاء الاصطناعي في مشروع سيتي؟
يقول عالم الفلك والباحث في مشروع سيتي إيمون كيرنز من جامعة مانشستر: “إنك تتعامل مع البيانات بشكل أساسي كما لو كانت مجرد قش، ثم تطلب من خوارزمية التعلم الآلي أن تخبرك ما إذا كان هناك أي شيء في البيانات ليس قشاً، ونأمل أن يكون هذا هو الإبرة في كومة القش، ما لم يكن هناك أشياء أخرى في كومة القش أيضاً”.
ويتضمن تدريب الخوارزمية إدخال الإشارات المسجلة من الفضاء والتي تم التعرف عليها من قبل كبيانات، ثم تتعلم الخوارزمية البحث عن إشارات من هذا القبيل، وفي حالة اكتشاف شيء ما في البيانات لم تُدرب عليه الخوارزمية، فإنه يشير إلى ذلك باعتباره شيئا مثيراً للاهتمام يتطلب من الإنسان متابعته. وهم في هذه الحالة يختصرون وقتا وجهدا كبيرين، فعوض البحث في أكوام البيانات يُكتفى بتحليل الغريب منها فقط.
خوارزميات لاكتشاف الحياة في الفضاء
البيانات التي جمعها مِسبار كيبلر جذبت مهندس برمجيات الذكاء الاصطناعي في غوغل “كريستوفر شالو”، والذي عمل مع زميل ما بعد الدكتوراه في وكالة ناسا “أندرو فاندنبيرغ” لتطبيق شبكة عصبية على تحليل بيانات كيبلر. ودُربت الشبكة على 15 ألف إشارة فُحصت مسبقاً من كتالوج كيبلر، وبعد ذلك زُودت الشبكة ببيانات جديدة من كيبلر تخص 670 نظاماً نجمياً يحتوي بعضها على عدة كواكب، وكانت دقة الخوارزمية بالتعرف على الإشارات القديمة والجديدة بنسبة قاربت الـ90%.
يقول فاندنبيرغ: “إن الأمر يشبه غربلة الصخور للعثور على المجوهرات، فإذا كان لديك منخل أدق، فسوف تلتقط المزيد من الجواهر”.
وعلى الصعيد ذاته، طوّرَ مجموعة من الباحثين من معهد كارنيغي للعلوم خوارزمية قادرة على اكتشاف علامات الحياة في الفضاء بدقة تصل إلى 90%.
فالمركبات الفضائية على سبيل المثال دائماً ما تعلق بها بعض الجزيئات، أو قد يتم جلب هذه الجزيئات مع بعض الصخور الفضائية، لكن لا يمكن للعلماء اكتشاف احتواء تلك الجزيئات على آثار حياة فيها لأن الجزيئات العضوية التي تشير إلى عمليات بيولوجية تتحلل بمرور الوقت. والخوارزمية الجديدة التي طورها العلماء قادرة على اكتشاف الاختلافات الدقيقة في الأنماط الجزيئية التي تشير إلى الإشارات البيولوجية، حتى في عينات عمرها مئات الملايين من السنين. والأفضل من ذلك أن الآلية تقدم نتائج بدقة تصل إلى 90%.
كما قام الفريق بتدريب الخوارزمية على استخدام 134 عينة، منها 59 عينة حيوية و75 غير حيوية. وللتحقق بعد ذلك من صحة الخوارزمية، قُسمت البيانات بشكل عشوائي إلى مجموعة تدريب ومجموعة اختبار. ونجحت الخوارزمية في التعرف على عينات حيوية من كائنات حية مثل الأصداف والأسنان والعظام والأرز وشعر الإنسان وكذلك من الحياة القديمة المحفوظة في بعض الأجزاء المتحجرة المصنوعة من أشياء مثل الفحم والزيت والعنبر.
كما حددت الخوارزمية أيضاً عينات غير حيوية بما في ذلك مواد كيميائية مثل الأحماض الأمينية التي أُنشئت في المختبر بالإضافة إلى النيازك الغنية بالكربون بدقة عالية.
ويقول العلماء: إن الاختبار الجديد يمكن استخدامه على الفور، وسيقومون بتجربته بالبحث عن الحياة على المريخ عبر تحليل البيانات الموجودة على الصخور المريخية التي جمعتها المركبة الفضائية كيوريوسيتي، بالإضافة إلى إمكانية الكشف عن أصول الصخور الغامضة والقديمة الموجودة على الأرض.
الذكاء الاصطناعي.. أغراض متعددة
ما ذُكر مما سبق إنما هو لاستخدامات أنظمة الذكاء الاصطناعي في مجال اكتشاف الحياة في الفضاء، لكن هناك استخدامات أخرى للذكاء الاصطناعي في مجال الفضاء نذكر منها ما يلي:
- ففي عام 2022، قامت وكالة الفضاء الأوروبية ديسكفري بتمويل 12 مشروعاً لاستكشاف ما إذا كان بإمكاننا تطبيق أحدث التطورات في الذكاء الاصطناعي ونماذج الحوسبة المتقدمة لجعل الأقمار الصناعية أكثر تفاعلية ومرونة واستقلالية.
- وبحثت دراسات أخرى لِديسكفري في كيفية قيام سرب من الأقمار الصناعية الصغيرة بتطوير وعي جماعي، حيث يساعدها بِإجراء مناورات عديدة لتجنب الاصطدام مع بعضها أو مع الكميات المتزايدة من الحطام الفضائي.
- كما عمِلت وكالة الفضاء الأوروبية على إنشاء توأم رقمي للأرض، وهي نسخة رقمية طبق الأصل للأرض تُغذى باستمرار ببيانات مراقبة الأرض واستخدام الذكاء الاصطناعي للمساعدة في تصور النشاط الطبيعي والبشري على الكوكب والتنبؤ به.
- كذلك اجتمع مختبر ناسا (NASA Frontier Development Lab) وعمالقة التكنولوجيا مثل آي بي إم وميكروسوفت معا للاستفادة من التعلم الآلي كحل للكشف عن أضرار العواصف الشمسية، وقياس الغلاف الجوي، وتحديد الطقس الفضائي لكوكب معين من خلال الغلاف المغناطيسي وقياس الغلاف الجوي.
ولعلّ أهم استخدامات الذكاء الاصطناعي في أبحاث الفضاء كان في المجالات الطبية لرواد الفضاء، فبعد أن أصبح رواد الفضاء يتحركون أكثر فأكثر في الفضاء خارج مدار الأرض، فإن السؤال غدا ملحا عما إذا كانت هناك حاجة إلى مساعدة طبية. ولهذا السبب، تعمل ناسا على القدرة الطبية الاستكشافية التي ستستخدم التعلم الآلي لتطوير خيارات الرعاية الصحية بناء على الاحتياجات الطبية المستقبلية المتوقعة لرواد الفضاء.
وبشكل عام، فإن الهدف الرئيسي للقدرة الطبية الاستكشافية هو الحفاظ على لياقة رواد الفضاء وصحتهم في الفضاء (خاصة في المهام الطويلة والبعيدة)، لا سيما وأن بعض المخاطر الصحية الشائعة المرتبطة بالفضاء هي مخاطر الإشعاع، والتحديات البيئية القاسية، والقضايا الناجمة عن تغيرات الجاذبية، وما إلى ذلك.
التعليقات مغلقة.