في تقريره الأخير الصادر خلال العام الحالي، أبدى الاتحاد العالمي للسُّمنة قلقه من ارتفاع معدلات السمنة في العالم، خاصة بين الأطفال، وأوضح أن أكثر من 208 ملايين طفل و 175 مليون طفلة، سيعانون من زيادة الوزن بحلول 2035.
وتتعدّد أسباب الإصابة بالسمنة، ولكن إذا استثنينا الأسباب البيئية والوراثية وبعض الأمراض المسببة لها، فمن يكون المسؤول عن سمنة الأطفال؟ وهل يتحمل الآباء مسؤولية بدانة أطفالهم؟
عادات الأكل السيئة تبدأ من المنزل
وجّهت العديد من البحوث العلمية أصابع الاتهام إلى الآباء، فالأطفال يكتسبون العادات الغذائية غير الصحية من بيئتهم، وفي هذا الصدد، كشفت دراسة أميركية، شملت أكثر من 24 ألف طفل ونشرتها المجلة الطبية البريطانية في يوليو/تموز 2018، أن النمط الغذائي الصحي للأمهات يرتبط بانخفاض معدلات الإصابة بالسمنة لدى أطفالهن، وأن الأطفال لأمهات يتمتعن بمؤشر كتلة جسم طبيعي، كانوا أقلّ عرضة للإصابة بالسمنة بنسبة 75% مقارنة بأطفال الأمهات اللائي اتبعن نمطًا غذائيًا غير صحي.
وهو ما أكدته دراسة أخرى أجراها مركز الأبحاث الصحية بجامعة كاليفورنيا في 2009، وتوصلت إلى دور الوالدين في إصابة أطفالهم بالسمنة، بعد أن اتضح للباحثين أن الأطفال يميلون إلى تناول ما يأكله الوالدان، ووجدت الدراسة أن المراهقين أكثر عرضة لتناول ما لا يقل عن 5 حصص من الفاكهة والخضروات يوميًا كما يفعل آباؤهم، وعلى العكس من ذلك، فإن 40% من المراهقين المنحدرين من والدين يفضلان الوجبات السريعة، أو يواظبان على المشروبات الغازية، فإنهم يتبعون السلوك نفسه.
ارتباط مؤشر كتلة جسم الوالدين ببدانة الأطفال
وأشار المسح الصحي في إنجلترا لعام 2017، أن الأطفال الذين يعيشون مع والدين يتّسمان بالبدانة تزداد نسبة إصابتهم بالسمنة، بمعدل 3 أضعاف الأطفال الذين يعيشون مع والدين يتمتعان بوزن طبيعي، وشمل المسح 8000 من البالغين و2000 طفل، وللمرة الأولى اعتُمد تحليل العلاقة بين وزن الوالدين والطفل، وإجراء مقارنات لأنماط حياة الأطفال مع والديهم.
وأظهر المسح أن نحو 28% من أطفال الأمهات البدينات عانوا -كذلك- من زيادة الوزن، مقارنة مع 8% من أطفال الأمهات اللاتي لا يعانين من زيادة الوزن، أما فيما يخص الآباء البدناء، فقد قدّر المسح أن نحو 24% من أطفالهم قد أصبحوا من البدناء -أيضًا- مقارنة بنسبة 9% فقط ممن يتمتع آباؤهم بوزن صحي، وحسب المسح فإن حوالي نصف الآباء اعتقدوا أن طفلهم البدين يتمتع بوزن صحي.
وفي 2012، أظهرت دراسة علمية نُشرت في الصحيفة الرسمية للأكاديمية الأميركية لطب الأطفال، أن الضغوط الأبوية المتعددة؛ مثل: المرض العقلي والوضع الوظيفي والضغوط المالية، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بخطر إصابة الطفل بالسمنة، وإقباله على الوجبات السريعة.
السمنة إساءة للطفل
وينقل موقع “إندبندنت” عن نيك ميتشل، أحد أشهر مدربي اللياقة البدنية حول العالم، تعليقه بأن السمنة هي أسوأ بداية في حياة أي طفل، ويقول “إصابة طفلك بالسمنة ما هو إلا شكل من أشكال الإساءة الموجّهة نحو الأطفال، ولا يختلف عن السماح لطفلك بالتدخين أو تعاطي المخدرات، غير أنه في الحالة الثانية ستعرّض نفسك للمساءلة القانونية”.
ويقول المتخصص في أمراض الكبد، دكتور جوزيف غالاتي لموقع “هيلث أون لاين”، إنه يتفهم رغبة الوالدين في توفير الأفضل دائمًا لأطفالهم، ولكن كثيرًا من الآباء يصرّون على إطعام أطفالهم كميات كبيرة، ظنًا منهم أنه في كل مرة يبكي الطفل، فإنه بحاجة للطعام، أو يسمحون لأطفالهم بخيارات غذائية سيئة، كأن يسمحوا للطفل بتناول رقائق البطاطس لإبقائه هادئًا في المتجر، مع التساهل في تقديم الحلوى والوجبات الخفيفة معظم الوقت.
ووفقًا لغالاتي، فإن الطفل الذي يعاني من السمنة في الثانية من عمره تزيد فرصة إصابته بها عند البلوغ بنسبة 50%، وبذلك يهيئ الآباء أطفالهم لحياة صعبة، من خلال مزيج من عادات الأكل السيئة، والقليل من النشاطات البدنية، التي تخلّف وراءها كثيرًا من الأمراض في سن مبكرة؛ مثل: السكر والضغط والكبد والقلب والسرطان.
دور الوالدين للحد من سمنة الأطفال
وفي سبيل الحدّ من تفاقم وباء السمنة بين الأطفال، ثمة مجموعة من “الإستراتيجيات” التي يقدّمها الخبراء والمتخصصون، ويمكن أن يعتمدها الوالدان؛ ومنها:
- استبدال حبوب الأطفال المحلاة والوجبات الخفيفة المصنعة ببدائل صحية؛ مثل: الخضروات والفاكهة والبروتينات الخالية من الدهون.
- الحدّ من تناول السكريات، فلا يُضاف السكر لطعام الطفل قبل عامين، وبعد ذلك يُراعى ألا يزيد عن 10% من السعرات الحرارية اليومية.
- تقليص الوقت المخصص للأجهزة اللوحية، وتجنّب وضع جهاز التلفاز في غرفة نوم الطفل، لعدم تناول الطعام أثناء مشاهدة التلفاز، إذ أنه حسب الدراسات يعرّض الطفل لزيادة الوزن بمعدل مرة ونصف المرة.
- تشجيع الطفل على ممارسة الرياضة ومشاركته بعض النشاطات الرياضية؛ مثل: الذهاب في نزهة على الأقدام، أو ركوب الدراجات لحرق السعرات الحرارية، وعدم تخزينها في شكل دهون.
- عدم دفع الطفل لتناول كميات كبيرة من الطعام، حتى يتعلّم الاستماع لجسمه، وإنهاء طعامه بمجرد الإحساس بالشبع.
- ينبغي للوالدين أن يكونا قدوة مؤثرة لأطفالهما، إذ يميل الأطفال إلى تقليد سلوكيات الوالدين واتباع النمط الغذائي نفسه.
- تعزيز النوم المنتظم وعدم السهر لتفادي تناول الطعام في الليل، ويحتاج الأطفال من عمر 6 إلى 12 سنة، نحو 9 – 12 ساعة نوم كل ليلة، بينما يحتاج المراهقون من سن 13 حتى 18 سنة، ما بين 8 – 10 ساعات يوميًا.
- يعدّ الطهو المنزلي الغني بالألياف، أحد أفضل الطرق للتحكم في الدهون والسكريات، ويساعد الطفل على اكتشاف العناصر والفيتامينات المهمة لجسمه، بدلًا من الوجبات الجاهزة الغنية بالمواد الحافظة والأملاح والسكريات.
- يجب الاهتمام بوجبة العشاء، حيث تشير الدراسات إلى أن وجبة العشاء العائلية المنتظمة، لها فوائد عديدة للأطفال؛ مثل: تحسين عاداتهم الغذائية، وتقوية الروابط الأسرية، وتعزيز الصحة العامة، وتقليل خطر الإصابة بالسمنة، وفي دراسة أجريت على 8550 طفلًا في سن 4 سنوات، فإن الأطفال الذين يتناولون العشاء مع باقي أفراد الأسرة بانتظام، ولديهم وقت محدد للشاشات مع الحصول على النوم الكافي، كانوا أقل عرضة للإصابة بالسمنة بنسبة 40%.
- استشارة اختصاصي التغذية العلاجية عند الضرورة لقياس كتلة جسم الطفل، والحصول على المشورة الغذائية، وينصح الخبراء بعدم اللجوء للنظام الغذائي المقيد بالوقت لإنقاص الوزن، إذ يؤدي إلى اضطرابات الأكل.
التعليقات مغلقة.