تربطنا بالسكر علاقة نفسية واجتماعية، فنقدمه لأحبائنا، ونكافئ به أنفسنا، ونأكله في الاحتفالات والأعياد، وبمرور الوقت، نشعر بأننا مدمنون عليه، ويسيل لعابنا أمامه، وإذا قللنا كمية السكر في كوب الشاي والقهوة، فلن نقاوم البسبوسة، والشوكولاتة وكعك العيد.
لا تتناوله بانتظام
فسر باحثون في معهد أبحاث ماكس بلانك للتمثيل الغذائي، بالشراكة مع جامعة ييل الأميركية، في مارس/آذار الماضي، سبب حبنا الأطعمة غير الصحية مثل الحلويات والمقليات، ورغبتنا في تناولها، رغم عدم شعورنا بالجوع. لذلك، افترض الباحثون أن الدماغ له تفضيلات، نتيجة استعداده الفطري بسبب عوامل وراثية، أو تفضيل ينشأ ونطوره بسلوكياتنا، لكن يمكننا تمرين الدماغ لينساه.
لاختبار تلك الفرضية، قسم الباحثون المشاركين إلى مجموعتين؛ تناولت الأولى قطعة حلوى غنية بالسكر والدهون يوميا، لمدة 8 أسابيع، في حين تناولت المجموعة الثانية حلوى تحتوي على نفس السعرات الحرارية، لكن بنسبة دهون أقل.
قاس الباحثون نشاط دماغ المشتركين قبل وأثناء الأسابيع الثمانية، واكتشفوا زيادة نشاطه بين المجموعة الأولى، وإفرازه هرمون الدوبامين المسؤول عن التحفيز والمكافأة.
أظهرت قياسات نشاط الدماغ أن الدماغ يتحفز بعد تناول الدهون المخلوطة بالسكر، ويشعر بالمكافأة، حتى يتعلم الدماغ -دون وعي منا- تفضيل الطعام المرتبط بالمكافأة، ويتغير الدماغ مع تكرار المحفزات، ونتفاجأ بضعف إرادتنا أمامها، لأن الدماغ لن ينسى ما تعلمه سريعا.
واجه الباحثون معضلة أخلاقية خلال دراستهم، فرغم أن أفراد المجموعة الأولى لم تكتسب وزنا، ولم تتغير نسب السكر والكوليسترول لديهم، فإنهم أدمنوا الحلوى، وتوقع الباحثون أن يستمر إدمانهم لها، ما لم يتدخلوا لإعادة تشكيل دماغهم.
لا تمزجه مع الدهون
لم تكن نتائج الدراسة السابقة جديدة على العلماء، لكنها الدراسة الأولى التي تختبر فرضيتها على البشر، عن طريق تناولهم الطعام.
فقد درس أساتذة علم الأعصاب والجهاز الهضمي في معهد مونتريال للأعصاب، وجامعة ييل، ومعهد ماكس بلانك، في عام 2018، قدرة متطوعين على تحديد سعر أطعمة خفيفة. جمع العلماء صور 3 فئات من الطعام، تحتوي على كمية السعرات الحرارية نفسها، ولها الحجم والسعر نفسه، لكن احتوت الأولى على دهون فقط، واحتوت الثانية على كربوهيدرات فقط، وجمعت الثالثة بين الاثنين.
طلب الباحثون من كل متطوع النظر إلى الصور، وتحديد المبلغ الذي يدفعه مقابل كل طعام، ثم فوجئوا باستعداد المشاركين لدفع نقود أكثر مقابل أطعمة تحتوي على الدهون والكربوهيدرات، مقارنة بالأطعمة الأخرى.
وجد العلماء أن المخ يفرز الدوبامين فور رؤيته صورة طعام يمزج بين الدهون والكربوهيدرات، وتتشكل لديه مشاعر بالإعجاب، واللذة، ومبالغة في السعادة التي سيشعر بها إذا تناوله، بطريقة مماثلة للاستجابات العصبية بين مرضى السمنة، لذلك اعتبر الباحثون الخصائص الغذائية للطعام أمرا بالغ الأهمية لتنظيم سلوكياتنا الغذائية.
كما قدمت النتائج أول دليل على أن المخ يبالغ في قيمة الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من الدهون والكربوهيدرات، بطريقة تختلف كثيرا عما كان عليه مخ أجدادنا قبل 150 سنة، قبل انتشار الأطعمة المصنعة.
قاوم أعراض الانسحاب
ركزت أبحاث الإدمان القديمة على تعاطي المخدرات، مثل: المورفين، والكوكايين، حتى ظهرت أبحاث جديد، تركز على مواد وسلوكيات إدمانية، خارج إطار المخدرات، ومن بينها الطعام. واتجهت الجمعية الأميركية للطب النفسي إلى تعريف الإدمان بأنه “مشكلة عقلية، وليست جسدية دائما، ويعد اعتمادا وتعلقا بشيء، يتحول لسلوك قهري، ولا يمكن السيطرة عليه أحيانا، وتزداد حدته مع التناول المتكرر، وتظهر أعراض انسحابية نفسية عند الانقطاع عنه”.
نتيجة لذلك، أثبت الباحثون في قسم الطب النفسي، في جامعة برينستون، منذ عام 2008، أن السكر من المواد الإدمانية، لأنه يسلك مسارات الدماغ نفسها التي تسلكها العقاقير المسببة للإدمان، مثل: الشراهة، وأعراض انسحاب نفسية، وضعف الإرادة أمامها.
وحدد الباحثون فترة 3 أسابيع للتعافي من إدمان السكريات والكربوهيدرات البسيطة، ونصحوا بتجنبها خلال فترة التعافي، كي لا تنتكس، وتعود لتناولها بشراهة.
عالج مشاعرك
نقل تقرير الجمعية البريطانية لمرضى السكر نصائح أطباء من التخصصين النفسي والغدد الصماء، للتخلص من إدمان السكر. تمثلت الخطوة الأولى في اكتشاف علاقتك بالسكر، فهل ترغب في تناوله الآن لأنك جائع، أم تحتاج مكافأة، أم تفتقد “الحلاوة” في حياتك؟
بعد ذلك، فكر في تلبية رغبتك بتناول وجبة مشبعة، مثل: بيض مسلوق، أو صدر دجاجة، أو فول، أو سلطة الفاصوليا. إذا لم ترق لك تلك الأفكار فاعلم أن جوعك عاطفي ونفسي، وينبغي عليك التعامل مع مشاعرك بطرائق أخرى.
ينصحك الأطباء بتجربة طريقة واحدة أو طرائق عدة للتعامل مع مشاعرك، مثل: الانخراط في نشاط بدني كلما شعرت برغبتك في الحلوى، والصلاة، والتأمل، والتفكير في مسببات سعادة بديلة للسكر لتشعر بالمكافأة والمتعة والاحتفال.
كذلك لا تغفل دور المياه الباردة والمكربنة في تخفيف رغبتك في التحلية، وحافظ على انتظام مواعيد نومك، والتزم بقائمة مشترياتك من السوبر ماركت، وتجنب التعرض لأرفف الحلوى.
التعليقات مغلقة.