لعقود مضت وحتى الآن، لا تزال حمية البحر الأبيض المتوسط تستوحي مكوناتها من الأنماط الغذائية التقليدية في 21 دولة تطل على ساحل البحر الأبيض المتوسط في مقدمتها اليونان وجنوب إيطاليا وإسبانيا؛ فهي غنية بالحبوب الكاملة والخضار والفواكه الطازجة والبقوليات والمكسرات وزيت الزيتون والأسماك، معتدلة في الدواجن والبيض ومنتجات الألبان، ومُقلّة في اللحوم الحمراء والدهون المُشبعة والأطعمة المصنعة.
وتعد هذه الحمية أحد أفضل الأنظمة الغذائية لنمط الحياة، سواء لخفض الوزن الزائد، أو تقليل الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية والسكري من النوع الثاني. لكنّ الكثيرين لا يعرفون فوائد هذا النظام الغذائي المتوسطي للمرأة بالتحديد.
منظمة الصحة العالمية كانت أعلنت أن أمراض القلب تُعد سببا رئيسيا لوفاة النساء والرجال في جميع أنحاء العالم، وفي العام 2020، كانت واحدة من كل 5 وفيات بين النساء في الولايات المتحدة بسبب أمراض القلب.
وبعد مراجعة 16 دراسة نشرت بين عامي 2003 و2021، من بين 190 دراسة ذات صلة، شملت أكثر من 700 ألف امرأة فوق سن 18 عاما، من الولايات المتحدة وأوروبا بشكل أساسي، خضعن للمتابعة لأكثر من 12 عاما، أظهر بحث علمي مُوّسع، نشرته المجلة الطبية البريطانية في مارس/آذار الماضي، أن حمية البحر الأبيض المتوسط لها تأثيرات وقائية مختلفة على النساء مقارنة بالرجال “من ناحية خفض معدلات الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، والحد من الوفاة المبكرة بنسبة 25%”.
فوائد حمية البحر المتوسط للمرأة
الباحثون بقيادة سارة زمان، طبيبة القلب والأستاذة المشاركة في جامعة سيدني، أوضحوا أنه “يمكن لعوامل الخطر الشائعة بين الإناث، كانقطاع الطمث المبكر وتسمم الحمل، أن ترفع خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية”.
وقال الدكتور وافي مؤمن، اختصاصي أمراض القلب في هيوستن، إن “التركيز على صحة القلب أمر أساسي بالنسبة للمرأة للمساعدة في منع الإصابات القلبية الوعائية مثل النوبات القلبية والسكتات الدماغية”، مؤكدا أن اتباع النظام الغذائي المتوسطي، خصوصا، يرتبط بانخفاض مخاطر الإصابة بأمراض القلب؛ “حيث تساعد الخصائص المضادة للأكسدة وتأثيرات الميكروبيوم التي يتضمنها في تقليل الالتهابات التي تعزز تراكم الترسبات في الأوعية الدموية، وتؤدي إلى تصلب الشرايين التاجية”.
كما ذكر موقع كلية الطب بجامعة هارفارد الأميركية أن الأبحاث منذ عام 2014 وجدت ارتباطا بين النظام الغذائي المتوسطي ومجموعة من الفوائد الصحية للمرأة، “تجعل النساء اللائي اتبعن حمية البحر الأبيض المتوسط أصغر سنا من غيرهن”، إلى جانب الفوائد التالية:
- تقليل مخاطر الإصابة بالسرطان: هناك أدلة متزايدة على أن الالتزام بهذا النمط الغذائي الساحلي يرتبط بانخفاض خطر الإصابة بالعديد من أنواع السرطان، وخصوصا سرطان الثدي، الذي يُعد أكثر شيوعا عند النساء والسبب الرئيسي الثاني للوفاة بينهن. كما أشار بحث نُشر في عام 2016 إلى أن “النساء اللواتي تشبه عاداتهن الغذائية حمية البحر الأبيض المتوسط، كن أقل عرضة للإصابة بسرطان الثدي من أولئك اللائي اتبعن نظاما غذائيا قليل الدسم”.
- تقوية العظام: عادة ما يأكل أولئك الذين يتبعون حمية البحر الأبيض المتوسط منتجات ألبان أكثر من أولئك الذين يتبعون نظاما غذائيا تقليديا، خاصة الجبن والزبادي، “وهو ما قد يكون سببا في جعل النساء اللائي يتبعن النظام المتوسطي أقل عرضة للإصابة بكسور الورك”. فوفقا لموقع “تكساس هيلث” (Texas Health)، أظهرت دراسة استمرت 16 عاما أن “النساء اللائي يلتزمن أكثر بنظام البحر الأبيض المتوسط الغذائي كن أقل عرضة بنسبة 29% للإصابة بكسر في الفخذ مقارنة بالنساء اللائي لم يلتزمن به”.
- صحة العينين: بحسب “تكساس هيلث” أيضاً، أفادت الأكاديمية الأميركية لطب العيون بأن الأطعمة الرئيسية في حمية البحر الأبيض المتوسط مثل الخضار الورقية الداكنة والبرتقال والفلفل والبطاطا الحلوة، “هي أطعمة فائقة لصحة العين بسبب مستوياتها العالية من مضادات الأكسدة”.
- تعزيز الخصوبة: فهذا النظام الغذائي يُعد أساسا رائعا لحمل آمن، بالإضافة إلى أنه قد يساعد في تعزيز الخصوبة، استنادا إلى بحث أجري في عام 2018 وأشار إلى أن “النساء اللواتي يتبعن نظاما غذائيا متوسطيا في الأشهر الستة السابقة للعلاج الإنجابي المساعد، لديهن فرصة أفضل بنسبة 65% إلى 68% في احتمال الحمل وولادة طفل سليم مقارنة بالنساء اللائي لم يقمن بذلك”.
الاعتدال شرط أساسي
أكدت الأبحاث على الدور المفيد للنظام الغذائي المتوسطي، إذ توصلت دراسة نُشرت مطلع مارس/آذار الماضي إلى علاقة بين هذا النظام الغذائي ومساعدة مرضى التصلب المتعدد، “على تقليل فقدان الذاكرة، ودرء الضرر الذي يلحق بمهارات التفكير لديهم”. كما ربطت دراسة أخرى في الشهر نفسه بين الالتزام بنظام البحر الأبيض المتوسط الغذائي، وانخفاض خطر الإصابة بالخرف بنسبة تبلغ 23%”.
لكن تبقى الإشارة إلى أن باحثين في إيطاليا جمعوا بين نتائج 3 دراسات كبرى تناولت أنماط الأكل لأكثر من 5 آلاف امرأة في أوروبا في عام 2015، وخصلوا إلى أن “من تشددن في الالتزام بالنظام الغذائي المتوسطي بحذافيره كن أكثر عرضة للإصابة بسرطان بطانة الرحم بنسبة تزيد عن 50% مقارنة بمن اتبعنه باعتدال”.
لذا يرى الخبراء أن الأفضل هو دمج أساسيات النظام الغذائي المتوسطي في الروتين اليومي بالطرق التالية:
- تناول المكسرات المليئة بالبروتين والألياف وأوميغا 3، مثل اللوز أو الجوز أو الفستق، كوجبة خفيفة.
- الإكثار من تناول الخضار بمعدل وجبتين على الأقل في اليوم، مع إضافة رذاذ من الزيت الصحي.
- الحرص على الحركة كجزء مهم وأساسي في النظام الغذائي المتوسطي.
- استبدال زيت الطهي واختيار البدائل الصحية مثل زيت الزيتون أو الأفوكادو، واستبدال الأطعمة المصنعة والدهون المشبعة واستهلاك الفواكه والخضروات الطازجة والدهون غير المشبعة والمأكولات البحرية؛ وفقا لتوصية صابرينا إسلام، الأستاذ المساعد في كلية الطب بجامعة تمبل.
- الحد من السكريات واللحوم الحمراء، وتناول من 100 إلى 200 غرام من المأكولات البحرية والأسماك الدهنية، مثل السلمون، حتى 3 مرات في الأسبوع؛ بحسب توصية صابرينا إسلام أيضا.
التعليقات مغلقة.