في أوائل عام 2010، انفجر نظام الحمية الغذائية المُقيدة بالوقت، أو “الصيام المتقطع” (Intermittent Fasting)، القائم على “تناول الطعام في إطار زمني صارم، أو تخطّي بعض الوجبات الأساسية تمامًا”، ليصبح أحد أكثر الأنظمة شيوعًا وأكثرها ترويجًا، بدعوى مساهمته في خفض مخاطر الإصابة بأمراض متعددة. خاصة في أوساط المشاهير؛ مثل: كورتني كارداشيان ومارك والبيرغ وهيو جاكمان وجنيفر أنيستون، بحجة أنه “يُبقيهم نحيفين، ويساعد أجسامهم في التخلص من السموم”.
ومن المفارقات -كما تقول صحيفة “ديلي ميل” (Daily mail) البريطانية- أن “طُول العُمر يُعدّ أحد الفوائد الرئيسة التي ذكرها أتباع هذا النظام الغذائي”؛ قبل أن تشير بحوث أخرى إلى أنه على الرغم من أن الصيام المتقطع يحظى بشعبية كبيرة؛ فإن هذا لا يعني أنه صحي، بل “يمكن أن يرسل صاحبه إلى القبر مبكرًا“.
نتائج عقدين من المتابعة
أظهرت مراجعة منهجية لدراسات عدة في اليابان والولايات المتحدة، نُشرت عام 2019، وشملت نحو 200 ألف شخص بالغ؛ أن من تعوّدوا تخطّي وجبة الإفطار بانتظام، كانوا أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 21%، أكثر من أولئك الذين تناولوا وجبة الإفطار بانتظام. وأن خطر الموت كان أعلى بنسبة 32%، لدى من يتخطّون وجبة الإفطار بانتظام، مقارنة بمن يتناولون وجبة الإفطار بانتظام.
وهو ما أكّدته الآن أحدث دراسة نشرتها مجلة أكاديمية التغذية في أغسطس/آب الماضي، بعدما تتبّعت 24 ألف أميركي من الجنسين، فوق سن الأربعين؛ كانوا يتناولون أقلّ من 3 وجبات يوميًا في المتوسط (حوالي 40% منهم لم يكن لديهم ما يكفي من المال لشراء طعام صحي، وكانوا أكثر عرضة للتدخين، وتناول المزيد من الوجبات الخفيفة والأطعمة غير الصحية).
شاركوا في مسح وطني للصحة والتغذية على مدى 15 عامًا (من 1999 إلى 2014)؛ وكان هناك 4175 حالة وفاة بنهاية الدراسة، بما في ذلك 878 حالة وفاة بسبب مشكلات في القلب.
وربطت الدراسة بين “الاكتفاء بوجبة واحدة يوميًا، بدلًا من 3 وجبات، أو تفويت الغداء، أو العشاء؛ وزيادة خطر الوفاة بنسبة 30%”. كما ربطت بين “تخطّي وجبة الإفطار بالتحديد، وزيادة فرص الوفاة بسبب أمراض القلب”. وأشارت إلى انطباق النتائج ذاتها “حتى على من يمارسون الرياضة، ويأكلون بشكل صحي، وقليلًا ما يدخنون”.
تقارب الوجبات لا يقل خطرًا عن تخطيها
وجدت الدراسة التي أجراها باحثون من جامعة تينيسي الأميركية أن 3 وجبات في اليوم كانت هي النظام الأفضل لضمان حياة أطول، وأن الممتنعين عن الطعام لفترات طويلة، عادة ما ينتهي بهم الأمر بتناول كمية كبيرة -نسبيًا- من الطعام دفعة واحدة، ما قد يؤدي بمرور الوقت إلى إتلاف خلايا الجسم، “بسبب تفاقم عبء تنظيم التمثيل الغذائي للغلوكوز، والذي يؤدي بدوره إلى تدهور التمثيل الغذائي”؛ وفقًا للدكتور وي باو، المشارك في الدراسة.
وقال المشرف الرئيسي على الدراسة “البروفيسور” يانغبو صن -في بيان صحفي- إنه فيما يُوصف بنظام تناول الطعام بتوقيتات صارمة، وتخطّي بعض الوجبات الأساسية، على نطاق واسع بأنه حل لفقدان الوزن، والصحة الأيضية، والوقاية من الأمراض؛ فقد “كشف بحثنا أن الأفراد الذين يتناولون وجبة واحدة فقط في اليوم، هم أكثر عرضة للوفاة من أولئك الذين يتناولون وجبات يومية أكثر”، وأن “من يتخطّون وجبة الإفطار هم أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية القاتلة، وكذلك أولئك الذين لا يتناولون الغداء، أو العشاء يزيدون من خطر الوفاة”. وبناء على هذه النتائج، أوصى الباحثون بتناول وجبتين إلى ثلاث وجبات على الأقلّ “موزّعة على مدار اليوم”.
الباحثون يُحذّرون
أكد د. يانغبو أن النتائج التي توصّل إليها فريقه مهمة، حتى بعد مراعاة عوامل النظام الغذائي ونمط الحياة؛ ومع أنها تستند إلى ملاحظات مستمدة من البيانات العامة، ولا تشير إلى وجود علاقة سببية، “لكنها تبقى ذات معنى وأهمية في التمثيل الغذائي”، مضيفًا أن “تخطّي الوجبات يعني عادة تناول مزيد من الطعام في وقت واحد، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تدهور تنظيم نسبة السكر في الدم، ومن ثم إلى مشكلات صحية”.
لكنه حذّر -في الوقت نفسه- من أن “تناول الوجبات الثلاث بالقرب من بعضها (في فترات تقلّ عن 4 ساعات ونصف الساعة، بين الوجبة والتي تليها)، كان مرتبطًا -كذلك- بزيادة خطر الوفاة المبكّرة لديهم بنسبة 17%”، لما يُسبّبه من “ضغط أيضي” إضافي على الجسم، لإتمام عملية التمثيل الغذائي؛ مقارنة بالأشخاص الذين باعدوا بين الوجبات بحوالي 5 ساعات أو أكثر.
كما أشار فريق البحث إلى أنه “لا يزال من السابق لأوانه، القول بشكل قاطع إن الصيام المتقطع أدّى دورًا في الوفيات المبكرة”؛ لأنهم لا يستطيعون استبعاد تأثيرات نمط الحياة، بالإضافة إلى العوامل الوراثية الأخرى.
أسوأ ما يمكن القيام به لإنقاص الوزن
تقول الباحثة والمؤلفة، د. ليزا يونغ إن “تناول الطعام مرة واحدة في اليوم، هو أحد أسوأ الأشياء التي يمكنك القيام بها إذا كنت تحاول إنقاص الوزن؛ إذ يجعلك عرضة للحرمان، ثم الإفراط في الأكل، لدرجة يصعب على جسمك تحملها مرة واحدة”. كما أن تناول وجبة واحدة يوميًا يبطئ عملية الأيض، ودون عملية تمثيل غذائي عالية الأداء، يصبح فقدان الوزن أكثر صعوبة.
إلى ذلك، “يمكن أن تشمل الآثار السلبية الأخرى، انخفاض نسبة السكر في الدم، ونقص العناصر الغذائية مقابل اشتهاء الكربوهيدرات؛ والإرهاق، والإفراط في تناول الطعام، ومن ثم زيادة الوزن”، وفقًا لخبيرة التغذية، ريتشي لي هوتز.
لذلك يصف المتخصّص في التخسيس بافل إيسنبايف تناول وجبة طعام واحدة في اليوم بهدف تخفيض الوزن، وفقًا لنظام الصوم المتقطّع، بأنه “فكرة خاطئة”، تؤدي إلى إضعاف عملية التمثيل الغذائي، وتدفع الجسم إلى تكوين احتياطي استراتيجي من الدهون، بسبب طول فترة الحرمان من الطعام؛ بالإضافة إلى الميل نحو الوجبات الخفيفة والقهوة أو الشاي والبسكويت والحلوى، “وهو ما يُعيدنا لاحقًا لزيادة الوزن”.
التعليقات مغلقة.