في أعماق البحار المظلمة والباردة، طورت بعض الحيوانات أجساما وعادات غريبة حقا من أجل البقاء على قيد الحياة، حيث تعيش الكائنات البحرية دون ضوء، ودون أكسجين تقريبا، وفي ضغوط لا تُصدق، والنتيجة هي ظهور مخلوقات غريبة للغاية شبيه بكائنات فضائية يمكن العثور عليها يوما ما على كواكب بعيدة.
إذن ما أغرب مخلوق بحري تم اكتشافه؟ حاول مقال منشور على موقع “لايف ساينس” (Live Science) الإجابة عن هذا السؤال عبر استجوابه للعديد من علماء الأحياء البحرية لمعرفة ذلك.
مخلوقات الشعاب المرجانية
تعد الشعاب المرجانية موطنا لآلاف الأنواع، لذا فليس من المستغرب أن يكون بعضها غريبا جدا، حيث يتم بناء الشعاب المرجانية من قبل هياكل عظمية مرجانية لأقرباء من قنديل البحر الذي يستخرج كربونات الكالسيوم من الماء لبناء منازل واقية.
الأغرب من ذلك، فإن معظم السلائل المرجانية لن تعيش دون علاقة تكافلية مع طحلب يسمى الحييونات الصفراء (Zooxanthellae) ويوفر الطاقة عبر عملية التمثيل الضوئي مقابل المأوى وثاني أكسيد الكربون. هذا النوع من السوطيات الدوارة أحادية الخلية قادر على العيش في التكافل مع اللافقاريات البحرية المتنوعة بما في ذلك الإسفنجيات الشائعة والشعاب المرجانية وقناديل البحر.
الموطن الذي توفره الشعاب المرجانية للحيوانات، بدوره، يؤوي مخلوقات غريبة أخرى، حيث وجد بحث منشور في عام 2020 أن الشعاب المرجانية توفر البيئة المثالية لتطور الألوان المبهرجة، حيث يسمح الماء الصافي للذكور والإناث برؤية بعضهم بعضا جيدا، وقد يطورون أجساما ملونة لجذب بعضهم، حيث يوفر الملاذ الهيكلي للشعاب المرجانية الصلبة ملاذا آمنا للحيوانات لأنها يمكن أن تهرب بسهولة من الحيوانات المفترسة على الرغم من كونها مرئية بوضوح.
خذ على سبيل المثال سمكة “قوس قزح” التي تمتاز بألوانها الزاهية، والتي تعيش في أعماق تتراوح ما بين 40 إلى 70 مترا تحت سطح المحيط، وهي سمكة مكتشفة حديثا وتم منحها الاسم العلمي (Cirrhilabrus finifenmaa)، تكريما للزهرة الوطنية لجزر المالديف.
أحد سكان الشعاب المرجانية الغريبة أيضا هو سمكة الببغاء ذات الرأس العريض (Chlorurus sordidus)، والتي تمتلك بعضا من أقوى الأسنان على وجه الأرض، لمضغ الهياكل الخارجية الصلبة للشعاب للوصول إلى الزوائد اللحمية اللذيذة، وفقا لمتحف سميثسونيان الوطني للتاريخ الطبيعي (Smithsonian National Museum of Natural History ).
أغرب الكائنات في الشعاب المرجانية
للإجابة عن سؤال “لايف ساينس”، قالت جانيت ديفيس، عالمة الأحياء المجهرية البحرية، ومحاورة العلوم ومؤلفة كتاب للأطفال “ربما تكون زقية اللسان، أغرب الحيوانات الموجودة في الشعاب المرجانية”.
وتُعرف زقية اللسان باسم بزاقات البحر المصاصة (Sacoglossa)، وهي فرع حيوي من الرخويات البحرية الصغيرة التي تنتمي إلى متباينات الخيشوم. وتتغذى هذه البزاقات الملونة على الطحالب، وتسرق بعضا من البلاستيدات الخضراء الطحلبية، ويمكن لهذه البزاقات جمع الطاقة مباشرة من الشمس. كما يمكنها أيضا استخدام جزيئات من الطحالب للدفاع، ويمكن أن يساعد بعضها في الدفاع عن صحة الإنسان أيضا.
وتقول ديفيس “من خلال عملي كعالمة ميكروبيولوجي بحري، عملت مع فريق من العلماء للمساعدة في نهاية المطاف على اكتشاف مركب مضاد للسرطان تنتجه بكتيريا بحرية مرتبطة بالطحالب يتم اختطافها بواسطة بزاقات البحر المصاصة واستخدامها كجزيء دفاعي”.
أما ليزا ليفين، عالمة المحيطات البيولوجية في معهد سكريبس لعلوم المحيطات في كاليفورنيا (Scripps Institution) فقد قامت بترشيح كائنات الزينوفيوفور (Xenophyophores) كواحدة من المخلوقات الغريبة المفضلة لديها في أعماق البحار.
والزينوفيوفور هي كائنات أحادية الخلية تسمى الأوالي التي تجمع الرواسب معا لتشكيل منازل متقنة شبيهة بالنباتات أو الشعاب المرجانية. وقد تم العثور عليها تحت حوالي 400 متر في قنوات أعماق المحيطات، من قبل باحثين من المركز الوطني لعلوم المحيطات في المملكة المتحدة، وجامعة هاواي وجامعة جنيف في سويسرا، وفي هذا العالم القاحل، توفر مأوى للافقاريات وتطور أجنة الأسماك.
كائنات أخرى غريبة
المياه المفتوحة للمحيطات ليست ممتلئة بالحياة مثل الشعاب المرجانية، لكن ما يعيش هناك يكاد يكون غريبا خاصة في المناطق الأعمق والأكثر قتامة، ومنها السَّحَّاريَّات، وهي الأغرب على الإطلاق في هذا العالم المخيف.
والسَّحَّاريَّات (siphonophora) هي طائفة من اللافقاريات البحرية من شعبة اللاسعات، وهي عبارة عن مستعمرة من عدة وحدات طويلة ورفيعة وشفافة. بعضها يشبه ظاهريا قناديل البحر، وأشهرها نوع خطير يعرف بالبارجة البرتغالية.
قال ستيفن هادوك، عالم الأحياء البحرية في معهد أبحاث الأحياء المائية بخليج مونتيري “يكافح الناس لفهم السَّحَّاريَّات، حيث تعمل مثل كائن حي واحد، لكنها في الواقع مستعمرات من كائنات فردية تتكاثر لاجنسيا”.
ويتحدث العلماء بشغف عن هلام مشط ذي البطن الدموي (Lampocteis) وهو كائن يُشبه الهلام الحقيقي أو الجيلي بشكل فريد للغاية، وهو أحمر غامق ويدفع نفسه عبر الأعماق بالأهداب، والتي يبدو أنها تتألق عندما يضربها الضوء. ولا يلدغ هذا الكائن مثل قنديل البحر، بدلا من ذلك، فإنه يستخدم الخلايا اللزجة لاصطياد الفريسة.
أما حبار الفراولة (Histioteuthis heteropsis) بلونه الأحمر الفريد، ذو العين الخضراء الواحدة الكبيرة، فهو يخطف ألباب العلماء مع مخالبه الحادة التي تنحني بزاوية 90 درجة، وقد شوهد 20 مرة فقط منذ اكتشافه قبل أكثر من قرن.
ويُطلق على السمكة المنتفخة لقب أحد أبشع الحيوانات في العالم، وهي تبدو متواضعة إلى حد ما أثناء السباحة على بُعد آلاف الأقدام تحت السطح ولكنها تنكمش في كيس مترهل عند إحضارها إلى السطح، حيث يكون الضغط 100 مرة أقل مما تتكيف معه السمكة.
أما الدودة متعددة الأشواك فهي تعيش في أنابيب بعمق 180 إلى 340 مترا، كما وجد الباحثون أيضا عينات من السلطعون المخيف باللونين الأبيض والأحمر، وهو ساكن في القاع يتنقل وسط الديدان الأنبوبية وشقائق النعمان على عمق 200 متر تحت السطح.
وربما تكون الديدان الآكلة للعظام (Osedax) هي الأغرب في أعماق البحار، حيث تأكل هذه الديدان الحمراء الريشية دون أفواه أو أحشاء، وبدلا من ذلك تفرز الحمض لتكسير عظام الحيوانات البحرية الميتة.
ولكن ما أغرب مخلوق بحري على الإطلاق؟
إذن، ما أغرب مخلوق بحري على الإطلاق؟ يمكن أن يكون سلطعونا منحوتا بوجه يُذكرك بالشيطان، أو هلاما مضيئا بيولوجيا، أو دودة صغيرة تتغذى على العظام بالحمض من دون أفواه ولا أحشاء، فلا يوجد في الأعماق والشعاب المرجانية إلا كائنات هي الأكثر غرابة على الإطلاق. وإذا كان هناك ضمان واحد في المحيط، فهو أن الشيء الأكثر غرابة يكون دائما قاب قوسين أو أدنى.
التعليقات مغلقة.