تعاني النساء في الشرق الأوسط ودول حوض البحر المتوسط وجنوب آسيا من كثرة شعر الجسم لأسباب جينية أكثر من النساء الأخريات، ورغم طبيعة الأمر فقد يظهر للبعض شعر داكن اللون وسميك على الرقبة أو الذقن والخدين أو على الظهر والخصر، مما يسبب لهن الضيق والاكتئاب لارتباط نمو الشعر في تلك المناطق بفرط الذكورة، من دون التفكير في مدى خطورة ذلك العرَض.
ما داء “الشعرانية”؟
يعرف “داء الشعرانية” بفرط نمو غير طبيعي للشعر الكثيف الداكن في مناطق غير مشعرة من الجسم في الوضع الطبيعي، ويزعج ذلك النساء بدرجة كبيرة، رغم أن تلك الحالة تصيب الرجال والنساء، حتى شاع استخدام المصطلح للإشارة إلى النساء اللاتي يعانين من نمو زائد للشعر على النمط الذكوري، كنموه في منطقة الذقن والصدر والرقبة والظهر.
ويشير نمو الشعر الزائد عن المعدل الطبيعي إلى وجود نشاط غير طبيعي للأندروجين (هرمونات الذكورة)، الذي ينتج عن مشكلة صحية خطرة أو بسيطة، وفي الحالتين تسبب الشعرانية ألما نفسيا، بسبب نظرة المريضة ومن حولها للأمر على أنه ضياع للأنوثة.
تعد كثرة الشعر من أكثر اضطرابات الغدد الصماء شيوعا، حيث تصيب ما يقرب من 10% من النساء. وفي حين يؤثر العِرق بشكل كبير على نمو الشعر عند النساء الأصحاء بسبب الاختلافات الجينية، فإنه يؤثر (العرق) أيضا على احتمالية الإصابة بداء الشعرانية؛ فقد أكدت دراسة أجراها قسم الأمراض الجلدية بجامعة كاليفورنيا عام 2017 أن المريضات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 18 و40 عاما كانت أغلبيتهن من أصل إسباني وشرق أوسطي وأميركي من أصل أفريقي وجنوب آسيوي.
ولاحظ الباحثون أيضا انتشار الشعرانية التي ينتشر معها الشعر في الخصر والأطراف بدرجة أعلى لدى النساء من الشرق الأوسط، في حين انتشر الشعر الزائد على الوجه أكثر بين الإسبانيات والأميركيات، رغم أن الانتشار الفعلي للأمراض التي تسبب فرط الأندروجين والشعرانية لم يظهر اختلافا بين الأشخاص من الأعراق المختلفة.
ما أسباب الشعر الزائد؟
ينمو الشعر الزائد غالبا بسبب فرط إفراز الأندروجين (هرمونات الذكورة)؛ فقد يكون ذلك ناتجا عن متلازمة تكيس المبايض، وهي حالة تبدأ غالبا عند البلوغ، وتسبب اختلالا في الهرمونات على مر السنين، وتظهر أعراضها الجانبية ببطء.
تؤدي متلازمة تكيس المبايض إلى نمو الشعر الزائد السميك، وعدم انتظام الدورة الشهرية، والسمنة، والعقم، وأحيانا تنتج تكيسات متعددة على المبايض.
وقد تظهر الشعرانية نتيجة الإصابة بتضخم الغدة الكظرية الخلقي، وهي حالة وراثية ترتبط بإنتاج غير طبيعي لهرمونات الستيرويد، بما في ذلك الكورتيزول والأندروجين، عن طريق الغدد الكظرية. وقد تظهر الشعرانية أيضا بعد زيادة الوزن، والتوقف عن استخدام موانع الحمل الفموية عند الشابات.
من النادر أن يتسبب ورم يفرز الأندروجين في المبيضين أو الغدد الكظرية في داء الشعرانية، لكن تفاقم الشعرانية بسرعة -خاصة عند النساء الأكبر سنا- يجب أن يثير الشكوك حول وجود ورم.
تتسبب بعض العلاجات في ظهور كثيف للشعر، مثل المينوكسيديل، والدانازول المستخدم لعلاج الانتباذ البطاني الرحمي، أو إذا كان الزوج يستخدم منتجات موضعية تحتوي على الأندروجين، وانتقلت للزوجة من خلال التلامس.
قد يزيد الشعر عند بعض النساء بسبب متلازمة كوشينغ، وهي حالة نادرة نسبيا، تتميز بارتفاع مستويات الكورتيزول بشكل مزمن، وتكون عادة نتيجة وجود ورم حميد في الغدة النخامية، ويتحمل معظم المرضى سنوات من الأعراض قبل التشخيص الصحيح، ثم يواجهن خيارات علاج محدودة.
قد يؤدي إهمال علاج تلك المتلازمة إلى مشكلات في الإنجاب، وكثرة الشعر لدى النساء، فضلا عن مضاعفات خطيرة، مثل داء السكري، وارتفاع ضغط الدم، وهشاشة الأنسجة، واضطرابات نفسية عنيفة، والوفاة خلال 5 سنوات.
لكن عام 2022 جاء بنبأ سعيد لمرضى متلازمة كوشينغ؛ إذ وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية على عقار “الليفوكيتوكونازول” القادر على تثبيط الكورتيزول، وعلاج المرضى، وذلك بعد عدة دراسات لضمان سلامته.
ما العلاج الأمثل للشعرانية؟
ليس من الضروري علاج الشعرانية إذا لم تكن المريضة تعاني من اضطراب في الغدد الصماء أو من ورم، لكن بعض النساء يشعرن بالخجل من كثرة الشعر غير المرغوب فيه، ويصبن بالاكتئاب.
تتوفر مجموعة متنوعة من الطرق العلاجية، لكن لا يوجد أي من الأدوية المستخدمة لعلاج كثرة الشعر حاصل على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) لعلاج داء الشعرانية، مما يجعل المريضة مسؤولة عن المخاطر المحتملة للعلاج، ومن بين تلك العلاجات غير التجميلية تعد موانع الحمل الفموية علاجا شائعا للشعرانية، لدى النساء اللاتي لا يرغبن في الحمل.
يوصف دواء “سبيرونولاكتون” أيضا من بين العلاجات غير التجميلية، لكن نتائجه متواضعة، وتستغرق أشهرا حتى تلحظ المريضة فرقا، وقد يسبب تشوهات خلقية لجنين المرأة الحامل.
هناك علاجات موضعية مثل “كريم إفلورنيثين”، ويساعد في إبطاء عملية نمو الشعر الجديد، لكنه لا يؤثر على الشعر الموجود بالفعل.
يجب نصح جميع النساء المصابات بمتلازمة تكيس المبايض بمتابعة العلاج، وبالنسبة لجميع النساء البدينات فينبغي عليهن فقدان الوزن كعلاج.
اكتسب الليزر شعبية واسعة في العقدين الماضيين في إزالة الشعر، وأكدت الدراسات البحثية أن الليزر طويل الموجة (إندياج) هو الخيار الأفضل لمريضات داء الشعرانية، لقدرته على منع الشعر من الظهور مجددا، وإمكانية معالجة مناطق كبيرة كالصدر أو أعلى الظهر، وحتى مع طول الفترة التي تحتاجها المريضة لإزالة الشعر بالليزر فإن النتيجة تفوق ما نسبته 80% في المريضات ذوات الشعر داكن اللون.
التعليقات مغلقة.