هل حان الوقت لتلقي جرعة رابعة من لقاح كورونا؟ وما فترة حضانة متحور أوميكرون؟ وما سر تفاؤل بعض العلماء بأن تأثير الفيروس سيضمحل عام 2022؟ الإجابات في هذا التقرير الشامل.
هل حان وقت تلقي جرعة رابعة؟
الجواب المباشر وفقا للمعطيات المتوافرة حاليا هو لا، إذ من السابق لأوانه الحديث عن جرعة رابعة من لقاح كورونا، فأعلى جهة مختصة بتنظيم الأدوية في الاتحاد الأوروبي لا توصي بها، وأيضا العديد من العلماء يقولون إنه لا يوجد معطيات كافية لدعم إعطاء جرعة رابعة.
والأسبوع الماضي، أشار رئيس إستراتيجية اللقاحات بالوكالة الأوروبية ماركو كافاليري، في لقاء صحفي، إلى “عدم وجود” بيانات تدعم الفعالية الواسعة “المفترضة” لجرعة تنشيطية ثانية، وذلك وفقا لتقرير في دويتشه فيله.
وأشار كافاليري إلى مسألة أخرى وهي أن التعزيز المتكرر يمكن أن يكون له تأثير سلبي على الاستجابة المناعية لكوفيد-19، مما قد يتسبب في إجهاد الذين تلقوا عدة جرعات من اللقاحات بالفعل (weaken the immune response and tire out people) وفقا لما نقله موقع “بلومبيرغ” (Bloomberg).
ويقول الباحثون إنه على الرغم من عدم وجود بيانات إكلينيكية تثبت فعالية تعدد جرعات اللقاح المعززة، إلا أنه لا يوجد أيضا ما يدعم فكرة أن المعززات المتكررة يمكن أن تسبب “إرهاق” الجهاز المناعي لدى الأشخاص، وذلك لأنه لم تتم محاولة البحث مطلقا في هذا الجانب.
استنفاد الخلايا التائية
وعلى الأرجح فإن كافاليري كان يشير إلى مخاوف من أن وجود الأجسام المناعية (مثل تلك التي توفرها اللقاحات) بشكل دائم أمام الجهاز المناعي للجسم، مرارا وتكرارا، يمكن أن يؤدي إلى إصابة الخلايا التائية “T- Cells” بالحساسية أو “الإرهاق” كما قالت سارة فورتشن الأستاذة في كلية “هارفارد تي إتش تشان” للصحة العامة، بقسم علم المناعة والأمراض المعدية، في بريد إلكتروني إلى دويتشه فيله.
وتلعب الخلايا التائية دورا رئيسيا في محاربة كوفيد-19 بمجرد دخولها الجسم.
وقالت فورتشن “تصبح الخلايا التائية مختلة وظيفيا عندما ترى أجساما مضادة بشكل متكرر في سياقات معينة، وأفضل ما تمت دراسته في هذا السياق هو ما جرى مع فيروس نقص المناعة البشرية أو السرطان، حيث يكون المستضد (الجسم المضاد) موجودا طوال الوقت”.
تطعيم غير الملقحين أولا
وفي السياق نفسه، رفض بول أوفيت، مدير مركز تعليم اللقاحات والطبيب المعالج في قسم الأمراض المعدية بمستشفى الأطفال في فيلادلفيا، بشكل حاسم، سياسات تعزيز كوفيد-19، واصفا هذه الإستراتيجية بأنها مضللة.
وقال أوفيت -وهو أيضا عضو اللجنة الاستشارية للقاحات التابعة لإدارة الغذاء والدواء الأميركية- إنه على الرغم من أن اللقاحات “تعمل بشكل جيد وتبقي الناس خارج المشرحة ووحدات الرعاية المركزة في المستشفيات، لكن التركيز يجب أن ينصب الوقت الحالي على إعطاء جرعات اللقاح الأولى والثانية للأشخاص غير المحصنين، بدلا من الاستمرار في تعزيز الذين حصلوا بالفعل على أول جرعتين من اللقاح، كما قال لدويتشه فيله.
وتقول مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) في الولايات المتحدة إنه على الرغم من أن جرعتين من اللقاح تعملان على الوقاية من الوصول إلى الحالة المرضية الشديدة لدى معظم الناس، إلا أن المعززات يمكنها المساعدة في حماية من الأعراض الشديدة للمرض لدى الأشخاص في المجموعات المعرضة للخطر مثل كبار السن، ومن إعادة العدوى من المتغيرات الجديدة مثل أوميكرون.
من جهتها قالت الدكتورة مونيكا غاندي، أخصائية الأمراض المعدية بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، إنه استنادا إلى البيانات المتوفرة حتى الآن فإن الجرعة الرابعة غير مبررة، وذلك في تصريح لموقع “هيلث لاين” (Healthline).
وأضافت غاندي “ستساعد الجرعة الثالثة على زيادة الحماية ولكن ليس لدينا بعد سبب منطقي لجرعة رابعة”.
ما فترة حضانة أوميكرون؟
أصبح مؤكدا أن متحور أوميكرون أكثر نشرا للعدوى من دلتا، حيث تفشى بشكل سريع بسبب قدرته على اختراق الجهاز المناعي للأشخاص الذين تم تطعيمهم أو أصيبوا سابقا بفيروس كورونا، وذلك وفقا لتقرير نشرته صحيفة “لوفيغارو” (Le Figaro) الفرنسية.
بهذا الصدد، يؤكد بيير إيف بويل، الأستاذ بمعهد بيير لويس لعلم الأوبئة والصحة العامة في فرنسا، أنه “كلما زادت قدرة الفيروس على الانتقال من شخص إلى آخر، زادت نسبة المصابين بشكل عام”.
وتظهر الأبحاث الحالية أن فترة حضانة متحور أوميكرون (أي الفترة من التقاط العدوى حتى ظهور الأعراض) قد لا تتجاوز 3 أيام، مقارنة بـ 4 أيام بالنسبة لمتحور دلتا، و5 أيام للسلالات الأخرى. وإذا تأكدت هذه المعطيات، من المنتظر أن يكون انتشار الفيروس في الموجة الجديدة أسرع من السابق على غرار ما تم رصده في جنوب أفريقيا.
هل يسبب أوميكرون أشكالا حادة من المرض؟
يؤكد البروفيسور يزدان يزدان باناه، أخصائي الأمراض المعدية وعضو المجلس العلمي الفرنسي، أنه “في البلدان التي تأثرت بتفشي أوميكرون قبل فرنسا، تم نقل المرضى إلى المستشفى بمعدل أقل من الموجات السابقة”. ويضيف أن المرضى الذين دخلوا المستشفيات “كانوا أقل حاجة إلى الأكسجين، وأقل دخولا في الغالب للعناية المركزة، واستمروا في المستشفى فترات أقصر”.
وتشير الدراسات الأولية إلى أن متحور أوميكرون أقل خطورة من دلتا بنسبة تتراوح بين 50 و80%. ويفسر الأطباء هذا الأمر بالمناعة الجماعية ومناعة اللقاحات المكتسبة خلال الفترة الماضية، بما يقلل من احتمالات الإصابة بأشكال حادة من الفيروس.
ويوضح يزدان باناه أن السبب هو طبيعة أوميكرون ذاته، حيث “تشير البيانات إلى أن هذا المتحور يصيب الشعب الهوائية العليا، وهو ما يتسبب بضرر أقل على خلايا الرئة مقارنة بالسلالات السابقة”.
الموجة الخامسة من كوفيد.. أمل ومبررات لتوخي الحذر
رغم تسجيل فرنسا نحو 300 ألف إصابة جديدة يوميا بكوفيد-19 وما يشكله ذلك من ضغط على المستشفيات العمومية، إلا أن الناطق باسم الحكومة الفرنسية غبريال أتال متفائل بشأن تطور الوضع الوبائي.
وفي تقريره الذي نشرته صحيفة “لوموند” (Le Monde) الفرنسية، قال رومان إمباش إن المتحدث باسم الحكومة أتال أفاد في تصريح له لقناة “سي نيوز” الفرنسية يوم 18 يناير/كانون الثاني بأن هناك أسبابا “تدعو للتفاؤل”.
هذا التفاؤل ينسجم مع تقرير كانت نشرته صحيفة “فايننشال تايمز” (Financial Times) قال فيه الكاتب كلايف كوكسن إن متحور أوميكرون يهدد باندلاع أزمة صحية أخرى خلال الأشهر القليلة المقبلة، إلا أن السيناريوهات الأكثر ترجيحا تظهر انفراجا مستقبليا كبيرا للأزمة بفضل تزايد المناعة الجماعية لسكان العالم الأمر الذي من شأنه تقليل تأثيرات الفيروس على الصحة.
وقال السير جيرمي بارار، مدير مركز “ويلكوم ترست” للبحث الطبي “نسق الإصابات بمتحور أوميكرون في أوروبا وأميركا الشمالية ارتفع بشكل سريع للغاية وقد نشهد تراجعا بنفس السرعة خلال الشهر أو الشهرين المقبلين”. وأوضح “بعد انتهاء موجة عدوى أوميكرون، من المرجح أن تمنحنا المناعة التي اكتسبناها فترة من الاستقرار، ولكن هناك العديد من الطرق التي يمكن أن يحدث بها ذلك”.
ووفقا للكاتب كوكسن فإنه رغم التهديد الذي يمثله متحور أوميكرون على الصحة العالمية، فإن العلماء متفائلون بأن تأثير الفيروس سيضمحل عام 2022.
بوادر أمل
ومع الموجة الخامسة من انتشار فيروس كوفيد-19، يرى البعض بوادر أمل تلوح في الأفق بعد تبين أن المتحور الجديد أوميكرون سريع الانتشار أقل خطورة من المتحورات السابقة، هذا إلى جانب تقلص عدد الحالات الحرجة التي تتطلب رعاية صحية، وتراجع معدل الانتشار في العديد من المناطق. ولكن هذه المؤشرات الإيجابية يجب ألا تحجب الجوانب المقلقة للوباء.
ولأول مرة منذ بداية الموجة الخامسة، انخفض عدد المرضى الذين يحتاجون الدخول إلى وحدة العناية المركزة في فرنسا بنسبة 5.7% خلال الأسبوع الماضي. في المقابل، يشير أحدث تقييم وبائي صادر عن إدارة الصحة العامة إلى أن تزايد عدد الحالات التي تتطلب رعاية طبية ولد ضغطا على المستشفيات.
منذ 16 يناير/كانون الثاني، بلغ عدد الحالات اليومية لدخول المستشفى نتيجة الإصابة بالفيروس 2317 مريضا، في الوقت الذي كان فيه هذا الرقم لا يتعدى 2080 مريضا الأسبوع السابق. وبذلك يكون إجمالي المصابين بفيروس كورونا الذين تم إدخالهم إلى المستشفى منذ 16 يناير/كانون الثاني قد وصل إلى 24 ألفا و 887 مصابا. واعتبارا من ذات التاريخ، نقل حوالي 4 آلاف شخص إلى وحدة العناية المركزة في جميع أنحاء فرنسا بسبب عدوى فيروس كورونا.
وفي ذروة الموجة الأولى لانتشار فيروس كورونا، بلغ عدد المرضى الذين تم إدخالهم وحدات العناية المركزة في فرنسا 7 آلاف مصاب، وناهز حدود 5 آلاف مريض في ذروة الموجة الثانية، بينما بلغ 6 آلاف مريض في ذروة الموجة الثالثة.
إقامة المصابين بأوميكرون بالمستشفى أقل لدى مصابي دلتا
بلغ متوسط عدد الوفيات اليومية الناجمة عن الإصابة بفيروس كورونا 218 وفاة الأسبوع الممتد من 10 إلى 16 يناير/كانون الثاني. وقد سجلت إدارة الصحة العامة الفرنسية في ديسمبر/كانون الأول الماضي انخفاضا في عدد الإصابات التي تتطلب دخول المستشفى مقارنة بعدد الإصابات المسجلة.
وفي مذكرتها الصادرة يوم 14 من الشهر الجاري، ترى مديرية البحوث والدراسات والتقييم والإحصاء، استنادا إلى نموذج منصة البيانات الفرنسية، أن مدة إقامة المصابين بمتحور أوميكرون بالمستشفى أقل من المدة التي سجلت لدى المصابين بمتحور دلتا.
وحسب ما صرح به عالم الأوبئة الفرنسي أرنو فونتانيت خلال مقابلة له مع إذاعة “فرانس أنتر” يوم 17 من الشهر الجاري “نحن في مرحلة توقعناها مسبقا، حيث يحل متحور أوميكرون محل متحور دلتا الذي اجتاح جميع أنحاء العالم. لكن رغم انتشار المتحور الجديد في جميع الدول، من المتوقع أن يعود متحور دلتا للظهور في الأسابيع القليلة القادمة”.
وأشار الكاتب إلى تراجع عدد الإصابات في بريطانيا إلى النصف، بعد أن سجلت ذروة الموجة الخامسة من انتشار فيروس كورونا بداية الشهر الجاري، مع انخفاض عدد الوفيات اليومية منذ منتصف هذا الشهر.
التعليقات مغلقة.