هذا ما أدركته بعد وفاة أخي.. توقف عن المماطلة والاعتقاد أن لديك الوقت الكافي
يروي الكاتب تشارلز بلو في مقال له بصحيفة “نيويورك تايمز” (nytimes) الأميركية، تجربة قاسية مر بها بسبب وفاة شقيقه الأكبر فريدريك إدوارد بلو (58 عاما)، الذي كان يحارب مرض الساركويد المناعي الذاتي منذ ما يقارب عقدين.
يقول الكاتب إن معظم الناس لم يعرفوا أبدا كم كان شقيقه مريضا؛ لأنه كان يخفي حقيقة مرضه، ولكن في النهاية بات جسده منهكا بشكل كبير، ولم يعد قادرا على المقاومة.
وفي التفاصيل يقول إنه تلقى بريدا صوتيا من والدته المذعورة، يوم الجمعة، قبل وفاة أخيه، قالت فيه “تشارلز، إنه أمر بالغ الأهمية، إنه أمر بالغ الأهمية، اتصل بي”. كان في صوتها المرتجف مناجاة تتردد في تنهداتها المسموعة.
اتصل بوالدته أخبرته بأنها كانت في المستشفى برفقة شقيقه، وأن “قلبه توقف بالفعل؛ ولكن الأطباء أعادوا إنعاشه وعاد للحياة”، ولكنه ظل موصولا بجهاز التنفس الاصطناعي.
الرسائل تخفي الألم
سأل والدته عن تشخيص حالة شقيقه، ولكنها أخبرته بأنها لم تطرح الكثير من الأسئلة؛ لأنها لا تريد معرفة الإجابات. لقد كان الأمر بمثابة صدمة، فقد أرسل رسالة نصية إلى أخيه قبل أسابيع قليلة ليستفسر عن نوبة مرضه الأخيرة، ولكنه أجابه ببساطة بأنه “بحال أفضل، وشكره”. لذلك، اعتقد أن حالته كانت تتحسن، ولكنه في الواقع كان يحتضر.
بعد سماع هذه الأخبار، حجز تذكرة سفر لصباح اليوم التالي. ولكن الأطباء قالوا إن أخاه لن يعيش حتى الليل؛ إلا أنه صمد بسبب جهاز التنفس الصناعي.. لكنه لم يتمكن من وصول المستشفى قبل وفاته، فقد فصلوا أخاه عن جهاز التنفس الاصطناعي قبل 15 دقيقة من وصوله.
كان أفراد العائلة يتجولون بحزن حول موقف السيارات في المستشفى، وبسبب الإجراءات الخاصة بمكافحة فيروس كوفيد-19، كان مسموحا لشخصين فقط بالدخول، وكان ولداه هذين الشخصين.
ركز الكاتب نظره على والدته، التي كانت جالسة بمفردها على مقعد حجري أمام باب المستشفى. وتوجه إليها وعانقها لمواساتها فانفجرت باكية بين ذراعيه.اعلان
العنصرية في الموت
بعد أسبوع، تجمعت العائلة عند مقبرة منفصلة بانتظار أن يوضع فريدريك في مثواه الأخير، وإذا سألت السكان المحليين عن هذه المقبرة، فهي ليست مقبرة منفصلة، بل هي مقبرتان -واحدة للبيض وأخرى للسود- يفصل بينهما سياج متصل.
وذكر الكاتب أن أخاه كان أول فرد من الجيل الرابع من العائلة يدفن بهذه المقبرة المنفصلة، وهو يعرف حاليا أين سيدفن؛ لكن عليه أن يقرر ما إذا كان سيسمح بأن يُدفن في مقبرة منفصلة ليكون قريبا من عائلته، أو ما إذا كان يرغب في أن يُدفن في مقبرة أخرى لا تقوم على مبدأ الفصل العنصري.
ويرى الكاتب أن العنصرية التي تطارد السود حتى إلى القبر، ليست إلا درسا من دروس الحياة التي أبرزها موت فريدريك. وتاليا أهم هذه الدروس:
أهمية الأسرة والمجتمع
عندما كان يموت فرد من مجتمع السود كانت والدة تشارلز تذهب لمنزل عائلة الفقيد، وتأخذ معها شيئا تعبيرا عن التعزية والمواساة، سواء فطيرة أو كعكة، وبعض المشروبات الغازية، ومبلغا صغيرا من المال.
لم تكن لديه أدنى فكرة عن شعور أهل الميت إزاء تلك المعاملات إلى أن توفي شقيقه، فلن يسمح لك هذا المجتمع بأن تحزن وحدك، وإنما يقفون بجانبك ويطوقونك وينتشلونك من حزنك. كل شخص يحضر معه شيئا رمزيا، ثم يجتمع الجميع ويتجاذبون أطراف الحديث، ويتشاركون الضحك أو يذرفون الدموع، بعبارة أخرى يكون حزنهم مشتركا.
أهمية التخطيط للوفاة
أكد الكاتب أن شقيقه لم تكن لديه خطة للممات، ولم يكتب وصية حتى، وهو يشعر بالحرج؛ لأنه لم يفعل ذلك أيضا، لكنه سيعمل على ذلك.
ويؤكد أهمية خطة ما قبل الممات، لأن أقاربك سيرغبون بمعرفة رغباتك الأخيرة إذا كنت في حالة موت سريري، كحال شقيقه، وما هي رغباتك عندما يتعلق الأمر بالجنازة والتأبين والدفن، سيتوجب على الأقارب اتخاذ عدد هائل من القرارات ومحاولة تكهن ما قد يريده المتوفى؛ لذلك عليك إخبارهم بذلك مسبقا.
وبغض النظر عن مقدار ثروتك، فإنه من الضروري كتابة وصيتك، إضافة للأشياء التي لها قيمة نقدية، وهناك أشياء لها قيمة عاطفية؛ لذلك عليك التخطيط لطريقة توزيعها بعد موتك، مما سيخفف بدوره من الارتباك والصراع بين أقاربك.
كيف غير كورونا طقوسنا
إلى جانب وجود قيود صارمة تمنع وجود الأشخاص بالمستشفى عندما مات شقيقه، فإن فيروس كورونا غير من طريقة حزن الأفراد تماما. فقد توجب على كل من دخل المنزل أن يرتدي قناع الوجه؛ لكن معظم الناس لم يُسمح لهم بالدخول حتى، وظلوا واقفين خارجا بالهواء الطلق.
وبما أنه لم يكن بمقدورهم إقامة الجنازة في الداخل، نقلت الجنازة للخارج، حيث كانت هناك مقاعد متباعدة مخصصة لأفراد العائلة، بينما وقف الآخرون بمجموعات عائلية صغيرة تحت ظلال الأشجار المتناثرة.
عش الحياة كما يجب
يجب التوقف عن عيش هذه الحياة وكأنها تجربة مسرحية؛ لأنك لن تحظى سوى بفرصة تقديم أداء واحد، ليس لديك وقت للخوف أو التردد؛ بل عليك السعي خلف أحلامك والتصرف على طبيعتك والتعبير عن حبك لمن تريد والعيش حرا.
عليك التوقف عن المماطلة والاعتقاد أن لديك الوقت الكافي لفعل كل ما تريد، فقد كان أخوه يبلغ من العمر 58 عاما، ويكبره بثماني سنوات فقط، وكان يتحدث عن رغبته في العودة إلى لويزيانا؛ لكنه لم يرغب بالتخلي عن تقاعده مبكرا، وتحمل العواقب، علما بأنه كان يخطط لفعل كل هذا العام المقبل؛ إلا أنه لم يعش للعام المقبل، ولم يستمتع أبدا بالمال الذي ادخره، ولم يشتر المنزل الذي يريده؛ بل توفي وهو بشقة صغيرة مستأجرة في تكساس.
كيف ساهم الجنوب بتكوين شخصيتي؟
أوضح الكاتب أنه استمع للعديد من الناس خلال نهاية الأسبوع، مما ذكره بمدى إعجابه باللغة الشعرية الجميلة، التي يستخدمها الجنوبيون، لا سيما ذوو البشرة السوداء. وهي طريقة كلام مرنة وحيوية، تشبه الغناء أكثر من الكلام.
كانت طريقة الكلام هذه واضحة في كلام إحدى قريباته، التي أتت لتوصيل الطعام؛ لكنها لم ترغب بالبقاء طويلا، وقالت لهم إنها “ستأتي لتكون بجانبهم عندما يحل السكون”، وهي صياغة رائعة ومليئة بالمعاني.
ولهذا السبب تحديدا يحب أن يصنف نفسه على أنه كاتب من الجنوب: لأن هذه هي الطريقة الطبيعية التي يتحدث بها، إذ توجب عليه أن يتعلم تقبلها وألا يشعر بالحرج منها، مضيفا أن كلمات أخيه ستبقي بذاكرته لبقية حياته، لتذكره بشعبه وموطنه.
المصدر : نيويورك تايمز
التعليقات مغلقة.