هل يمكن أن يكون عمر نجم ما أكبر من عمر الكون نفسه؟
شادي عبد الحافظ
يهتم الباحثون في نطاق الفيزياء الفلكية بالتعرف على أقدم النجوم في هذا الكون، لأنها تفتح لهم بابا واسعا لدراسة خصائص الكون المبكر، وتعطيهم إشارات لتأكيد أو تعديل النماذج التي يستخدمونها لتحديد أعمار النجوم.
تاريخ النجوم
قبل عدة أشهر تمكّن فريق بقيادة باحثين من جامعة أستراليا الوطنية من تحديد عمر نجم يدعى “SMSS J160540.18–144323″، يقع على مسافة 35 ألف سنة ضوئية من الأرض. وللوصول لتلك النتائج فحص العلماء كمية الحديد في هذا النجم.
لفهم تلك الفكرة يمكن أن نبدأ من نشأة النجوم، حيث يتجمع الهيدروجين في سحب الغاز بين النجمية ويتكتل حتى تبلغ درجة حرارة مركزه عشرات الملايين من الدرجات المئوية، هنا يبدأ تفاعل الاندماج النووي بالحدوث.
ويعني الاندماج النووي أن تتحد ذرات الهيدروجين لتصنع الهيليوم، ثم بعد مرحلة مستقبلية ما من عمر النجم يتحول الهيليوم لعناصر أعلى في ترتيب الجدول الدوري مثل الكربون والأكسجين، وفي نهاية أعمار النجوم العملاقة يتكون الحديد، ثم يتلو ذلك انفجار هائل نعرفه باسم المستعر الأعظم (Supernova).
ومع انفجار النجم تنطلق كميات هائلة من الحديد للفضاء وتدخل في تركيب النجوم الجديدة بنسب ضئيلة. الشمس مثلا تحتوي على نسبة 0.0030% من الحديد في ذراتها، هذا الحديد لم ينتج من الاندماج النووي للشمس، ولكنه ناتج من انفجار نجم آخر سابق للشمس.
وبحسب هذه الدراسة التي نشرت في المنشورات الشهرية للجمعية الملكية البريطانية لعلم الفلك، فإنه كلما قلت نسب الحديد في النجم كان عمره أقدم، بمعنى أن النجوم العملاقة الأولى في الكون تكونت من الهيدروجين الخالص، وبعد أن انفجرت نقلت بعض الحديد إلى الجيل الثاني من النجوم، والذي نقل بدوره كمّا أكبر من الحديد عند انفجاره للجيل الثالث، وهكذا.
نسبة الحديد في “SMSS J160540.18–144323” أقل بمليار ونصف مرة من الشمس، ويشير ذلك إلى أنه ربما يكون من الجيل الثاني أو الثالث من النجوم التي تكونت خلال ملايين السنوات بعد الانفجار العظيم.
النجم HD 140283 يحيّر العلماء لأن عمره المَقيس أكبر من عمر الكون (ناسا)
أقدم من عمر الكون
لكن النماذج التي يستخدمها الفلكيون لتتبع أعمار النجوم السحيقة قد تكون غير دقيقة، ومن أهم الأمثلة على تلك الفكرة نجم يدعى “HD 140283” في كوكبة الميزان، فقد قدر الباحثون من وكالة الفضاء الأوروبية عام 2000 عمر هذا النجم بحوالي 16 مليار سنة.
كانت تلك نتائج صادمة لجميع فلكيي العالم، فنحن نعرف أن هناك الكثير من الأدلة التي تؤيد صحة افتراض أن عمر الكون كله هو 13.8 مليار سنة، مما يعني أن عمر هذا النجم أكبر من عمر الكون نفسه.
بعد ذلك ظهرت مجموعة من التحسينات على النماذج الرياضية التي تقيس أعمار النجوم، وافترض الباحثون من الوكالة أن كميات الهيليوم في نواة النجوم تكون أكبر من المتصور، مما قد يرفع من سرعة اندماجها النووي، فينخفض عمر النجم، وبالفعل توصل الفريق البحثي إلى عمر تقريبي لـ”HD 140283″، لكنه ما زال حوالي 14.4 مليار سنة، يزيد أو ينقص 0.8 مليار سنة.
ومن ثم، فإلى الآن تستمر تلك المشكلة لتحيّر فيزيائيي الفلك والكونيات، لكنها في المقابل تخلق أسئلة تفتح بدورها الباب لتطوير أفضل لدقة القوانين التي يستخدمونها لتفسير هذا الكون، وربما نكتشف سر الطاقة أو المادة المظلمتين يوما ما بفضل أسئلة كتلك.
التعليقات مغلقة.