علماء: الإنسان له مخان وربما ثلاثة
تعلمنا أن لنا مخا واحدا فقط يتحكم بسلوكنا وطبيعتنا ويقرر صحتنا من عدمها أو درجة ذكائنا، لكن الحقيقة شيء آخر، إذ يرى علماء أن لنا مخين.
هناك من يحب “ببطنه” لا بعقله أو قلبه، ويقول المثل الشعبي الألماني “أنت ما تأكل”، ويعبر الألمان أيضا حين لا يتمكن المرء من اتخاذ قرار ما بقولهم: “سأسأل بطني”. هذه الأمثلة لا علاقة لها بتناول الطعام فقط، ولم تبتعد عن الواقع العلمي، كما يقول علماء متخصصون في علم الأعصاب.
إذ إن هناك مخا ثانيا في أجسادنا يفكر ويساعد المخ الواقع في رأس الإنسان على اتخاذ القرارات، بل حتى في مزاجنا وطريقة تفكيرنا، ويمكن أن يكون له دور حتى في أمراض نفسية وعصبية. والأصح القول، حسبما يرى علماء: إن مخ الإنسان الذي عرفناه هو المخ الثاني، والمخ الأول يقع في بطن الإنسان، وبالذات في أمعائه.
ففي تعرجات الأمعاء -التي تشبه أيضا تعرجات المخ- هناك 500 مليون خلية عصبية، تساوي في عددها وترابطها مخ القط والكلب. ويطلق العلماء على نظام الأعصاب في الأمعاء “الجهاز العصبي المعوي”، بينما يسمون المخ بالجهاز العصبي المركزي.
تأثير متبادل
وترى دراسات علمية حديثة أن كلا “المخين” يؤثران على بعضهما بشكل مستمر، بل إن طريقة عملهما متشابهة جدا إذ يستخدمان نفس الشبكة العصبية، ونفس الناقلات العصبية، بل إن أصلهما من نفس الخلايا الجذعية، حسبما ينقل موقع “لاكوميد” الطبي.
البروفسور في جامعة كولومبيا بنيويورك ميشائيل غيرشون، يقول في تقرير نقلته قناة “أرتي” (arte) الأوروبية إن علاقة الجهاز العصبي المركزي بالجهاز المعوي المركزي تشبه علاقة الحاسوب بالطاولة الموضوع عليها، فكلاهما يعملان معا.
غير أن البروفسور ميشيل نويله في جامعة نيس بفرنسا يرى -في حديثه ضمن نفس التقرير التلفزيوني- أن المخ الأول هو الجهاز المعوي المركزي، حيث نشأت الخلايا العصبية أولا مع تطور الإنسان، حين كان تناول الطعام هو الأساس.
وقبل 1.5 مليون سنة حدث الانقلاب، حين اكتشاف إنسان “هومو إريكتوس” -ويعني الإنسان الواقف على قدميه- الشواء، فحدثت الطفرة التي ضاعفت من كمية الطاقة التي يوفرها الجسم نتيجة عدم مضغ الطعام الني إلى 16 ضعفا، وهي طاقة وفرها الجسم لنمو الجهاز العصبي المركزي، وذلك إلى بلوغ الإنسان مرحلة “هومو سابينس” أي الإنسان العاقل.
عقل ثالث
ويذهب علماء إلى أبعد من ذلك، فيتحدثون عن مخ ثالث، ألا وهو مئات مليارات البكتيريا التي تعيش في مستعمرات داخل أمعائنا. وبعكس ما يظن كثيرون، فإن هناك نحو ألف نوع من البكتريا الصالحة التي تؤثر في حياتنا وصحتنا، تعيش في الأمعاء. إذ ينقل التقرير نفسه كيف أن هذه البكتريا تؤثر حتى على قرارتنا وسلوكنا، حتى يكون المرء -على سبيل المثال- متحفظا في سلوكه أو عصبيا.
هذا العدد الهائل من الكائنات الحية هو أكبر مجتمع لكائنات حية تعيش في نظام حياتي على وجه الأرض، كما أن عددها يبلغ مئة ضعف عدد خلايا الجسم البشري. ويصور علماء وجود هذا العدد الهائل من الكائنات الحية داخل الأمعاء وكأن الإنسان لا يعيش مفردا بل يحمل داخله نظاما حياتيا هائل التعقيد، يفكر معه ويشاركه في اتخاذ القرارات.
ويقول البروفسور المتخصص في علوم البكتيريا ستيفن كولنس، من جامعة مكاستر في كندا، إننا نحمل في أجسامنا عددا أكبر من الحمض النووي للبكتيريا، مقارنة بالحمض النووي البشري.
هذه الكائنات الحية التي تصنع منا ما نحن عليه لا نعاملها بالحسنى، كما يرى العلماء، إذ إن الإنسان الذي يعيش في المدن يتناول الطعام السريع أو حتى السيئ، ولا يغذي البكتريا غذاء صحيا، فتموت أو تمرض ونمرض معها؛ فهي أهم جهاز مناعة في أجسامنا.
تغذية صحية
وينصح التقرير بتناول الخضروات والفاكهة كثيرا التي تساعد على نمو هذه البكتيريا وبقائها على قيد الحياة، والابتعاد عن الطعام المعلب وعدم الإفراط في تناول المضادات الحيوية التي تقتل البكتريا الضارة والنافعة معا.
وأوضح التقرير كيف أن البشر في غابات أميركا الجنوبية وتنزانيا يحملون في أمعائهم من البكتيريا ستة أضعاف ما يحمله الناس الذين يعيشون في المدن الكبيرة حول العالم، ويمتلكون صحة أحسن.
بعد كل هذا، هل سنغير من طريقة تعاملنا مع أمعائنا التي تعمل طوال النهار وربما الليل، وتفكر معنا، وكيف نستضيف مئات مليارات البكتريا النافعة التي تصحبنا طوال حياتنا؟
المصدر : دويتشه فيلله
التعليقات مغلقة.