ما حقيقة أزمة التوقيف في المطارات بسبب ارتداء “علامات” مقلدة؟
“السجن ثلاث سنوات وغرامة 300 ألف يورو (337 ألف دولار) لمن يرتدي ملابس مقلدة تحمل اسم علامات عالمية في المطارات”.. هذا ما تداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة، خاصة النساء ممن يرتدين ملابس تحمل اسم علامات شهيرة مثل “لوي فيتون” أو “غوتشي دولتشي أند غابانا”. وبحسب ما تم تداوله، فإن وقائع تطبيق العقوبات حدثت في المطارات الأوروبية، فهل ارتداء الملابس المزيفة يعرضك حقا للسجن؟
ارتداء قميص يحمل اسم علامة شهيرة ربما لن يعرضك للخطر، وإلا توقفت مئات الرحلات الجوية يوميا بالمطارات، ولكن العقوبات المشار إليها كانت حول الحقائب النسائية الثمينة التي يبدأ سعرها من ألفي دولار.
الوقائع تبدأ عادة -حسب شهود يروون تجاربهم عبر مواقع التواصل- بشك مسؤول الجمارك في مسافرة تحمل حقيبة ثمينة، مع تذكرة طيران اقتصادية وملابس تبدو متواضعة. يطلب المسؤول تفريغ الحقيبة التي لا يعبأ بمحتوياتها ليتحقق من الحقيبة. البعض يعترف أن الحقيبة ليست أصلية، والبعض ربما وقع ضحية الاحتيال. وبحسب الروايات المتداولة، تدفع صاحبة الحقيبة غرامة مالية ضخمة تقدر بآلاف الدولارات، وفي أفضل الحالات تصادر الحقيبة دون غرامة مالية.
خسائر الشركات الكبرى بسبب التزييف
انتشار السلع المقلدة ليس أمرا جديدا، لكن في العقدين الأخيرين انتشرت مصطلحات مثل “نسخة مقلدة بدرجة عالية”، وبات للملابس المزيفة سوق عالمي ضخم يسهم في خسارة شركات الملابس الشهيرة. ويقدر عدد مستهلكي السلع المزيفة بثلاثة ملايين مستهلك. وتقدر قيمة ما تخسره الشركات الكبرى جراء تقليد تصميماتها بما يعادل ثلث مبيعاتها، حسب تقرير نشرته صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية.
وتقدر الخسائر الناجمة عن تزوير العلامات التجارية عام 2018 بنحو 323 مليار دولار، وفي 2017 تكبدت العلامات التجارية الفاخرة 30.3 مليار دولار عبر مبيعات الإنترنت، حسب موقع “فاشن يونايتد”.
قرابة نصف مواقع بيع السلع المقلدة مخصص للملابس، أما النصف الآخر فمخصص للأحذية والحقائب والمجوهرات والعطور وغيرها من السلع الاستهلاكية.
ورغم ذلك لا يزال موقع “دي هتش جيت” الشهير مصدر لشراء المنتجات المقلدة التي يحرص البعض على شرائها، كعلامة “آج” في الأحذية الثقيلة التي تباع بسعر زهيد وتصل في أيام قليلة إلى المستهلك، مقارنة ببعض السلع الثمينة التي تضع اسمك على قائمة الانتظار لعدة أشهر.
هل يعاقب المستهلك على ارتداء السلع المقلدة؟
البعض لا يكترث بأزمات الشركات الكبرى مع المهربين والصناعات المزيفة، بينما تكثف حكومات الدول مراقبة وسائل التمرير المختلفة عبر الحدود، التي تتضمن تهريب السلع المقلدة. ولكن غالبية القوانين الدولية لا تعاقب المستهلك على ارتداء قطعة ملابس مزيفة. ذكرت وزارة العدل الأميركية أن القانون الاتحادي لا يحظر على الفرد شراء منتج مزيف للاستخدام الشخصي، حتى لو فعل ذلك عن قصد.
ولكن بموجب القانون الاتحادي الذي يحمي العلامات التجارية من الاتجار غير المشروع للبضائع المقلدة، فإن العقوبات تطبق على المشاركة في إنتاج وبيع ونقل تلك البضائع. ويصل الحد الأقصى للعقوبة على مرتكبي هذه الجرائم لأول مرة إلى السجن عشر سنوات وغرامة قدرها مليونا دولار. وإذا تكررت الجريمة تبلغ العقوبة السجن 20 عاما وغرامة قدرها خمسة ملايين دولار للأفراد، بينما تبلغ 15 مليونا على الشركات التي تتاجر بالبضائع المقلدة.
وفي السياق ذاته، ينصح مكتب الاستخبارات الوطني لمكافحة الاحتيال في المملكة المتحدة، المستهلكين بتجنب شراء السلع المزيفة لأنها تساعد على خرق القانون. كما أن المحتالين يستخدمون عائدات بيع السلع المقلدة في تمويل الجرائم وتجارة المخدرات بحسب “البي.بي.سي”.
من جهته نفى مسؤول بمطار هيثرو في لندن -رفض ذكر اسمه- تطبيق عقوبة على ارتداء الملابس المزيفة، وأكد للجزيرة نت أنهم يتعاملون مع هذه المواقف بشكل “مسالم”، ولا يتدخلون في الاختيارات الشخصية للمسافرين طالما أنها للاستخدام الشخصي.
في الوقت نفسه، تفرض ألمانيا غرامة تصل إلى 7000 يورو (7881 دولارا)، ويفترض أنه تم تطبيقها نهاية يونيو/حزيران 2018 حسبما نشره موقع “تي.جي.بي”.
“النساء الحقيقيات لا يرتدين السلع المقلدة”
في العام 2012، أطلقت حملة “لا تزيفها” في عدة دول أوروبية تتقدمها فرنسا التي تتصدر صناعة الموضة في العالم والتي تشهد أيضا أضخم تجارة للسلع المقلدة، ضمت 75 علامة تجارية فرنسية فاخرة منتجة للملابس والسلع الفاخرة.
وحذرت الحملة المشاركين في إنتاج وبيع السلع المزيفة من العقوبات بموجب القانون، ونصحت المستهلكين بتجنب شراء تلك المنتجات عبر مجموعة من الشعارات الترويجية مثل “الرهان على الحصان الخاسر قد يكلفك كثيرا”، و”النساء الحقيقيات لا يرتدين السلع المقلدة”، و”اشتر كارتيير مزيفة، واحصل على سجل إجرامي حقيقي”، وهي الحملة التي يعاد نشر صورها التحذيرية من وقت لآخر، وتستهدف مكافحة تزوير السلع الفرنسية، التي تكبد الصناعة الفرنسية خسائر تقدر بنحو 7.46 مليارات دولار سنويا، وخسارة قرابة 40 ألف شخص لوظائفهم.لماذا لا تطرح الشركات الكبرى تخفيضات على منتجاتها؟
شركات صناعة الموضة الفارهة لا تستهدف الفقراء ولا متوسطي الدخل، لتظل دائما محافظة على قيمة علامتها التجارية السوقية، وهو ما دفع شركة عريقة مثل “بربري” البريطانية منتصف العام 2018 لحرق جزء ضخم من فائض مخزونها من الملابس والمنتجات الجلدية بقيمة 118 مليون دولار، حفاظا على أسعار منتجاتها باهظة الثمن دون أي تخفيض، ولاستقرار صورة العلامة التجارية وارتفاع أرباحها السنوية، وهو ما حدث فعليا بتحقيق أرباح بقيمة 542 مليون دولار في مارس/آذار 2018. التقليد الذي يلقى انتقادات واسعة دوليا، تتبعه العديد من العلامات الكبرى مثل “إتش آند إم” التي أحرقت 15 طنا من الملابس في السويد لمنع انتشار سلعها في “السوق السوداء”.
التعليقات مغلقة.