فشلنا المتكرر.. لماذا نترك الريجيم في منتصف الطريق؟
لم تعد ظاهـرة الكروش الضخمة والشحوم المتراكمـة ظاهـرة استثنائية في العالم، بقدر ما هي ظاهـرة شبه عامة في معظم المجتمعـات خصوصا خلال العقود الأخيرة الماضية. بحسب منظمة الصحة العالمية “WHO” زادت معدلات السمنة الحالية عالميا بنسبة 3 أضعاف عن عام 1975. وفي عام 2016، كان عدد الأشخاص البالغين “زائدي الوزن” حول العالم يقدر بنحو ملياري شخص، منهم أكثر من 650 مليونا يعاني سمنة مفرطة. (1)
على مسرح “تيد” أُلقيت مجموعة من المحاضرات شديدة الأهمية تسلط الضوء على “السمنة” بكل تفاصيلها. لماذا يُصاب بعض الأشخاص تحديدا بالسمنة أكثر من غيرهم؟ لماذا يفشل الكثيرون في اتباع أنظمة غذائية محددة؟ لماذا يتعامل المجتمع مع السمنة بشكل خاطئ تماما؟ والأهم: كيف يمكن -بناء على آراء خبراء متخصصين- العمل على محاصـرة هذه الظاهرة وحماية أصحابها من أمراض مزمنة عديدة تحاصـرهم طوال أعمـارهم تقريبا؟لماذا لا ينجح اتبـاع الأنظمة الغذائية عادة؟!
“قبل ثلاث سنوات و نصف، اتخذت أحد أفضل القرارات في حياتي. كقراري للسنة الجديدة، تخليت عن اتباع نظام غذائي، توقفت عن القلق بشأن وزني، وتعلمت أن آكل بانتباه. والآن أتناول الطعام عندما أكون جائعة، ولقد فقدت 10 أرطال. منذ طفولتي، كنت أعتقد دائما أنني بحاجة إلى إنقاص وزني، وعندما أكتسبه مرة أخرى، وبالطبع ألقي اللوم على نفسي. وللعقود الثلاثة التالية، جربت العديد من الأنظمة الغذائية. مهما حاولت، الوزن الذي فقدته دوما كان يعود. أنا متأكدة أن الكثير منكم يعرفون هذا الشعور. كعالمة الأعصاب، تساءلت لماذا هذا صعب للغاية؟”
كل من خاض رحلة تخفيض وزنه يعرف هذه المعضلة شديدة الصعوبة: فقدان عدة أرطال من الوزن وتحسن الصحة وتحسن الشكل، ثم العودة الى اكتساب هذه الأرطال مرة أخرى فضلا عن إضافة عدة أرطال إضافية زائدة. هذه المعضلة هي الأشهر والأكثر صعوبة بين الأشخاص الذين اعتادوا الانغماس في البرامج الغذائية، والتي تسبب أيضا الكثير من المشاكل الصحية الخطيرة ما بين فقدان الوزن واكتسابه في وقت سريع.
أكثر من أربعة ملايين مشاهدة لهذه المحاضـرة الصادقة والمباشرة التي ألقتها عالمة الأعصاب ساندرا آموت على مسرح “تيد” في عام 2013، والتي ركزت بشكل كامل على السبب الرئيس الذي يجعل أجسادنا تعاود اكتساب الوزن الذي خسرته بعد رحلة طويلة من الأنظمة الغذائية. تسلط المتحدثة الضوء بشكل علمي بحت على الطريقة التي تدير بها عقولنا أجسادنا، وتؤكد أنه ليست كل الأجساد صالحة للحميات الغذائية العنيفة التي يتبعها البعض. كما تؤكد أيضا المعلومة التي يعجز الكثيرون عن تصديقها وهي أن الحميات الغذائية عادة لا تنجح، وتسبب ضررا أكبر بكثير من نفعها.
ما الحل الذي تقدمه ساندرا آموت إذن؟ الحل هو اتباع منهجيـة غذائية حرة تجعلك تركز على المواد التي تأكلها والمستوى الذي تتعاطى به مع الغذاء ونوعياته، بدلا من التركيز على “معاناة” الحمية الغذائية ذاتها بكل ما تحمله من تركيز على فقدان الوزن. وقتئذ، سيبدأ جسدك بالفعل في فقدان الوزن دون أن يشعر دماغك بأنك في حمية غذائية حقيقية.كفـاكم خوفا من السمنة
“أنا هنا اليوم لأحدثكم عن السمنة. الكلمة التي يقوم الناس بفعل أي شيء تقريبا كي لا تصيبهم، وتزدهر صناعات بمليارات الدولارات بسبب الخوف منها. لست متأكدة فيما لو كان أحدكم قد لاحظ لكن أنا سمينة. لست ذلك النوع المخفي كالتمتمة من وراء ظهري أو الكلمات التي تبدو غير مؤذية؛ لست حتى ذلك النوع الأكثر تنمقا وإثارة للشهوة أو ذات انحناءات. دعونا لا نزينها. أنا سمينة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. أنا الفيل في الغرفة. عندما ظهرت على المسرح قد يكون بعضكم فكر في نفسه سيكون هذا مثيرا للضحك، فالجميع يعلم أن السِمان يجيدون الإضحاك”
في حديث يشوبه الكثير من الفكـاهة والكثير من الصراحة، تُلقي كيلي جين دركنتر محاضـرتها التي تخترق من خلالها كافة القواعد التي وضعها مجتمع شديد الهوس بالشكل الخارجي، وشديد التخوّف من كل ما له علاقة بالسمنة، بل وأيضا شديد الحساسية منها ومن أصحابها. توضح كيلي جين أنه -وبعيدا عن الشق الصحي في الأمر- ما يتعرّض له السِمان من انتقادات ليس عادلا بالمرة، وليس قريبا حتى من حقيقـة أجسادهم ونفسيـاتهم.
من السهل للغاية أن تكون سمينا ومبدعا في الوقت نفسه. من السهل أيضا أن تكون سمينا ومقتنعا بشكلك الخارجي بدون أي إيهامات لنفسك، مهما ازدادت ضغوطات المجتمع حولك. ظاهرة الأجساد الضخمة التي يتأفف منها الناس قادرة على ارتداء أحدث صيحات الموضة، ويمكن أيضا تخصيص مهرجانات عروض أزياء للبُدن وهو ما يحصل بالفعل في كبرى عواصم العالم. بمعنى آخر، من الطبيعي جدا أن تكون سمينا وفي الوقت نفسه مقتنعا بمظهـرك وترى أنه الهيئة الأفضـل لك، طالما الأمـر لا يمس بصحتك أو يسبب لك الضـرر.
حديث شديد التشويق حقق أكثر من مليون ونصف مشاهدة على منصة “تيد” الرسمية، واعتُبر من أشهر أحاديث “تيد” سيدني الأسترالية التي ناقشت موضوع السمنة بزاوية مختلفة تماما عما هو سائد، زاوية الدفاع عن أصحابها.أين يكمن الخطأ بالضبط فيما نأكل؟!
ما المشكلة في نوعية الطعام الذي أصبحت البشرية تتناوله بشكل عام في العقود الأخيرة مع الانفتاح الثقافي العارم، حيث أصبح الطعام الأميـركي والأوروبي يسود كل بقاع العالم تقريبا؟ في هذا الحديث الشيّق -والعنيف قليلا- الذي أُلقي على مسرح “تيد” في عام 2007 وحاز أكثر من أربعة ملايين مشاهدة، يسلط مارك بيتمان -الكاتب المتخصص في الغذاء بصحيفة النيويورك تايمز- الضوء بشكل مباشر على الأزمة.
المشكلة أننا نأكل الكثير من اللحوم، والقليل من النباتات، والكثير من الوجبات السريعة، والكثير من المياه الغازية، ونعد وجباتنا في منازلنا بشكل أقل بكثير من الماضي. هذا “الغذاء” المزيف كما يصفه بيتمان يعتبر غذاء مختلفا تماما عما اعتاد عليه البشر لقرون طويلة، حيث كان التوازن بين الغذاء ومستوى الحركة ممتازا أغلب الوقت. كانت اللحوم والخضروات هي أساس الغذاء من ناحية، والحركة التي هي أساس تنشيط الجسد البشري من ناحية أخرى. لم يكن هناك بطاطس مقلية أو وظائف مكتبية أو تكنولوجيا فائقة توفّر عليك الحركة طوال الوقت، وبالطبع لم يكن هناك ماكدونالدز على قارعة الطريق الذي يوفر لك وجبات مليئة بالدهن والكربوهيدرات في 30 ثانية منذ تسجيل الطلب.
في المحاضـرة يقدم المتحدث مجموعة من الحلول المغلّفة بالتحذيرات النابعة من أرقام وإحصائيات تقول إن البشرية في طريق خاطئ تماما مع استمرارية الاعتماد على هذا النمط الغذائي، وأنه سيكلّفها مبالغ هائلة لمتابعة المرضى الذين سينتجون من هذا النمط الغذائي بدون أدنى شك، وهو الأمر الذي يمكن تفاديه بأبسط الإمكانيات فقط بالتوجيه العام للشعوب بالتركيز على الأكل الصحي والعودة مرة أخرى لنوعية الغذاء الذي فُطـر عليه الإنسان منذ نشأته بنفس مستوى النشاط الحركي الذي اعتاد عليه لآلاف السنين.النظام الغذائي الأميركي القاتل الذي يجتاح العالم
“مع كل الاهتمام المبرر بالإيدز وإنفلونزا الطيور وغيرها، أود أن أتحدث عن الوباء الآخر، وهو أمراض القلب والأوعية الدموية، والسكري، وارتفاع ضغط الدم، وجميعها يمكن تفاديها تماما على الأقل لـ 95% من الناس فقط بتغيير نظامهم الغذائي واليومي. ما يحدث هو عولمة الحالات المرضية، بسبب أن الناس بدؤوا يأكلون مثلنا، ويحيون مثلنا، ويموتون مثلنا. وفي جيل واحد، على سبيل المثال، تحولت آسيا من أقل نسب لأمراض القلب، والسمنة، والسكري، إلى أحد أعلى النسب. وفي أفريقيا، وفيات أمراض القلب والأوعية الدموية تعادل الإيدز. إنه نمط الغذاء الأميركي!”
محاضـرة شهيرة على مسرح “تيد” مدتها ثلاث دقائق فقط، ومع ذلك حققت ملايين المشاهدات. المتحدث هذه المرة هو الطبيب دين أورنيش المتخصص في أمراض القلب والجهاز الهضمي، الذي يسلط الضوء بشكل مركّز للغاية على الأمراض المرتبطة بالسمنة ويعتبرها بوضوح هي الوباء الأكبر لهذا العصر، بشكل أكبر بكثير من الإيدز والسرطان والأمراض الوبائية القاتلة مثل إنفلونزا الطيور والخنازير.
المشكلة في النظام الغذائي الأميركي المليء بالدهون والبريق الإعلاني الهائل للوجبات السريعة غير الصحية، والتي لم تقتصر فقط على المواطن الأميركي، بل انتشرت لتتحول إلى نمط غذائي عالمي يؤدي إلى نسب سمنة هائلة حول العالم، حتى الدول التي اعتاد أهلها على النحافة مثل الدول الآسيوية، تحول الكثير منها إلى دول مليئة بالسمنة، وبالتالي أمراض القلب والأوعية الدموية. هذه الأمراض القاتلة يمكن تفاديها بسهولة، فقط بتغيير النظام الغذائي، وبالتالي توفير المليارات التي تُنفق على أدوية السكري والضغط والأوعية الدموية، وتقليل معاناة أصحابها، وتقليل نسب الوفيات التي تتسبب فيها المأكولات غير الصحية.الحل الوحيد: تعليم كل أطفالنا حول الغذاء
“بكل أسف، في الـ 18 دقيقة القادمة عندما أقدم حديثي، أربعة أميركيين أحياء سيموتون جراء الغذاء الذي يأكلونه”
ثمانية ملايين مشاهدة لواحدة من أكثر محاضـرات “تيد” شهـرة على الإطلاق فيما يتعلق بأنماط الغذاء ومكافحة السمنة. المحاضـرة يُلقيها جيمي أوليفار الفائز بجائزة “تيد” سابقا بخصوص مشـروعه الطموح لمكافحة السمنة في مدينة هونغيتون غرب فيرجينيا، والنتائج المؤثرة التي استطاع الوصول إليها في كفاحه، والتي يشارك بها بشكل مُركّز من خلال محاضـرته التي تعتبر مرجعا لمنظمات محاربة السمنة.
في هذه المحاضـرة يُلقي جيمي أوليفـار مجموعة من القصص الواقعيـة التي شاركها في رحلته لأميـركا، ورغم أنه بريطاني فإن معدلات السمنة في أميـركا تعتبر خيالية بالمقارنة بأي مكان آخر في العالم مع انتشار ثقافة الأكل السريع، والذي أدى إلى ارتفاع هائل في معدلات الإصابة بالأمراض الملامسة للسمنة مثل السكري والقلب وارتفاع ضغط الدم والأوعية الدموية، مما قاد أيضا إلى معدل وفيات مرتفع للغاية -بحسب الإحصائيات- وصل إلى وفاة 4 أميـركيين كل 20 دقيقة تقريبا بسبب الغذاء.
يرى جيمي أوليفار أن الحل كله يتلخص في مشروع وطني وعالمي لمواجهة ثقافة الأكل الخاطئ وإحلالها بثقافة الغذاء الصحي والشهي في الوقت نفسه الذي يسمح للجميع بتناول كافة الأطعمة الشهية الممكنة المصنوعة بشكل صحي. ويرى أيضا أن تعليم الأطفال هذه الثقافة هو الأمر الوحيد الذي يكفل تراجع معدلات الأمراض التي يشهدها العالم، بحيث يتم غرز مبادئ الأكل الصحي لدى الأطفال بنفس أهمية زرع ثقافة الأخلاق والتربية القويمة التي تهتم بها المدرسة والجامعة والأسرة.طريقة بسيطة لكسـر عادة سيئة
“نرى بعض الأطعمة التي تبدو شهية، تقول أدمغتنا: “سعرات حرارية.. بقاء، حياة!”. نأكلُ الطعام ونتذوقه، إنه طيبُ المذاق، وخصوصا مع السكر، ترسلُ أجسامنا إشارة إلى أدمغتنا تقول: “تذكروا ما كنتم تأكلون وأين وجدتموه”. نحنُ نضبطُ الذاكرة التي تعتمدُ على الحالة ونتعلم لتكرار العملية في المرة القادمة. نرى الأطعمة، نأكل الأطعمة ونشعرُ بشعور جيد ونكرره.. الحافز والرغبة والتصرّف والمكافأة.. هذه هي قصة إدمان الطعام.. سهلة، أليس كذلك؟”
عشرة ملايين مشاهدة لواحدة من أكثر المحاضـرات شهرة على منصة “تيد”، ألقاها الطبيب النفسي جودسن بروير في عام 2015 محللا العلاقة بين الوعي والإدراك والإدمان. العلاقة الثلاثيـة التي تؤدي إلى انجذابك إلى التدخين أو الإفراط في تناول الأطعمة السريعة إلى وقوعك في أي نوع من أنواع الإدمان الضار بالنسبة لك. جميعها تعود إلى منبع نفسي واحد، يقوم الطبيب بتحليله بشكل واضح تماما يشرح لك سبب انجذابك لشيء معين.
هنا، تضرب المحاضرة على وتر شديد الأهمية بالنسبة للمدمن على العادات الغذائية السيئة حيث تعرفك آلية تطوير هذه العادة، وما الذي يجذبك إليها. ومن ثم يقدم إستراتيجيـة واحدة شديدة البساطة لكسـر هذه العادات بمنتهى الكفاءة، وما يسري على التدخين يسري بالضبط على المأكولات والسمنة وغيرها من إدمان المواد الضارة التي يبدو الجسم نهما لاستهلاكها، بينما هو واقع تحت تأثير الانجذاب غير المبرر ناحيتها.
في النهاية، كل كيلوجرام زائد عن الوزن المثالي يمثّل تمهيدا للدخول في منطقـة مظلمة من الأمراض المزمنة التي تبدأ بالسكري وارتفاع ضغط الدم، ولا تنتهي بأمراض القلب والأوعية الدموية. هي كلها أمراض يمكن تفاديها ببساطة بمجرد اتباع النظام الغذائي السليم وممارسة الرياضة الصحيحة. بالتأكيد الجميع يعرف هذه المعلومة، ولكن ليس الجميع يجد تطبيقها بهذا القدر من السهولة!
التعليقات مغلقة.