حياة صحية
من أجل حياة صحية أفضل

الصيام المتقطع.. هل يمكن أن تأكل ما تُريد وتخسر وزنك؟

695

يعتبر الصيام المتقطع سرا قديما من أسرار العافية. أقول قديما لأن البشر مارسوه طوال التاريخ، وأقول سرا لأن هذه العادة الفائقة القوة أضحت منسية إلى حد بعيد”

(جاسون فنج، الصيام المتقطع ميزان بلا حرمان)

أحد الهواجس التي تطاردنا في عصر الصورة أن يتلاءم مظهرنا الخارجي مع مقاييس الصورة، الجميع يبحث عن الحيل والصيحات التي تجعله يتماهى مع المقبول، والمُتصدر، والمطلوب. ولا يُمكننا فصل “الوزن” ومشاكله عن مشهد الصورة الذي نتحدث عنه، فالكل يبحث عن وزن مثالي بلا أي أخطاء، أو لنُكن أكثر عدلا فالجميع يُحاول. الفرد منّا يتأرجح بين حمية يُحرم بها الشخص من ملذات الطعام فتُحبطه ولا يلتزم بها، إلى صيحة جديدة تنتشر بين مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات التي تحظى بقاعدة جماهيرية كفيلة بأن تجعل أي تجربة فردية صيحة تتفشى بين الأفراد في ظرف ساعة!

- Advertisement -

الجمهور الذي يبحث عن الوزن المثالي والحميات الصحية يلجأ أيضا إلى الطرق التي يُروّج لها أنها صحية، مُفيدة وتحمي من الأمراض، تُطيل العمر وتؤخر من علامات التقدم بالسن وغيرها. إلا أن كل يوم جديد هو فُرصة للعلم والبحث لإثبات فشل صيحة أو حمية كان لها الحظ الأكبر في الانتشار. يغيب عن ذهن المُؤثر أنه مُتابَع من أعمار تكاد لا تكون مَسؤولة كفاية، وبالمقابل يغيب عن ذهن المُتلقي أن لكل جسد ما يُناسبه من حميات، فالأمر ليس بهذه السهولة. من الصيحات التي عادت للساحة مُؤخرا “الصيام المُتقطع”، وهَج نور الصيام المتقطع بين فئات عمرية مُختلفة وكأنه تمرين لشد العضلات بغاية البساطة، فهل كل ما يُروج عن هذه الحمية صحيح ومُفيد، أم أن الأمر لا يتعدى كونه حمية مُشابهة ولكن بطعم جديد؟

بداية الحكاية..

“الجميع قادر على أداء السحر، ويمكن للجميع أن يصلوا إلى أهدافهم إذا كانوا قادرين على التفكير، والانتظار، والصوم”

(هيرمان هيس، رواية سيدهارتا)

قبل 100 عام، أي قبل عقود من التلوث البيئي والكيميائي والإشعاعي الذي أصبح يُمثّل مشكلات كبيرة في جميع أنحاء العالم، وفَرَض أعباء صحية جديدة على جسم الإنسان، كتب الكاتب الأميركيآبتونسنكلير كتابه الصومالمُعالِج” (TheFastingCure) الذي يُعد توثيقا لتجربته الشخصية إلى جانب تجارب الآخرين وتحدياتهم مع الصيام، أدرج الفوائد والتأثيرات التي طرأت على جسمه، كما تضمن أيضا العديد من شهادات الشفاء من السرطان التي تُعزى إلى الصيام.(1)وبفضل آبتون سنكلير أصبح الصيام المتقطع شعبيا في القرن العشرين، حيث اعتمد شرب العصائر فقط لتخليص جسمه من السموم. إلا أن الدكتور ماكسجيرسون يعترض بتصور آخر، فيقول: “لا يُمكنك أن تجعل مرضى السرطان يصومون، فإن أجسامهم في حالتهم تكون مستنفدة للغاية، والصوم سيجعلهم يهبطون لأدنى مستويات التعافي”.(2)

في 2012 اعترف مجتمع الصحة واللياقة البدنية بالصيام، بفضل جهود الطبيب مايكلموزليوتأثيره الصحافي حيث نشر كتابه في عام 2013 بعنوان “حميةالصيام. لاقى كتابه رواجا باهرا، واعتمد الحمية الكثير من المشاهير ونشروا نتائج خسارة أوزانهم، وأصبح موضوع الصيام كفايروس يجول الإنترنت والكل يسعى للحصول على بعض السحر الذي سيخلّصهم من الكيلوغرامات الزائدة خلال أسابيع معدودة. الجزئية المُغرية في رواج هذه الحمية هي أنها ليست حمية بالمعنى الدقيق، فالحمية تعني اتباع نظام غذائي معين، ولكن الصيام المتقطع يعتمد على مراقبة متى تأكل ومتى تمتنع عن الأكل دون اتباع نظام غذائي معين، فأنت في الحقيقة ستصوم مدة من الأسبوع (يُسمح خلال فترة الصيام بشرب السوائل)، وتأكل كل ما يحلو لك باقي أيام الأسبوع!

إذن نحن نتحدث هُنا عن نمط يُقسّم أسبوعك إلى جُزأين: فترة أكل، وفترة صيام. في فترة الأكل تستطيع أن تأكل أي وجبة اعتيادية، دون أن تحسب سعراتها الحرارية. وفي فترة الصيام تمتنع عن الأكل تماما ويُسمح لك فقط بشرب الماء، الشاي المُر، أو القهوة غير المحلاة وكذلك الخضار والفواكه. هناك أنماط مختلفة للصيام المتقطع، حيث إنها تختلف نسبة لاحتياجات الجسم نفسه، وقدرة الفرد أيضا على تحمل هذا النمط الجديد الذي يتبعه، فالجسم معتاد على وجبة إفطار، غداء، عشاء، وبعض الوجبات الخفيفة، واقتصاص وجبة بشكل مفاجئ قد يُصيبك بالإعياء وتقلبات المزاج والعصبية، وهذه ردات فعل طبيعية يُظهرها الجسم إلى أن يتعود على نظامه الجديد، أما الأنماط فهي: (3)(4)

* نمط 8:16 مبتكر من خبير اللياقة البدنية مارتنبيركان: هو أكثر الأنظمة انتشارا ومناسبة للمبتدئين، حيث تمتد فترة الصيام لـ 16 ساعة يُسمح خلالها بشرب السوائل فقط وفي بعض الحالات يُسمح ببعض الحصص البسيطة من الخضار والفواكه. يستطيع الفرد اعتماد هذا النمط ليومين إلى ثلاثة أيام أسبوعيا.

* نمط 2:5 ابتكرها الدكتور مايكلموزلي: يستطيع الفرد تناول بين 500-600 سعرة حرارية لمدة يومين من الأسبوع، حيث يمكنه استهلاك السعرات الحرارية في أي وقت خلال اليوم -بشكل موزع على مدار اليوم أو خلال وجبة واحدة-، وتناول الطعام بشكل طبيعي لمدة 5 أيام.

* نمط “كل، توقف، كل” ابتكره خبير اللياقة برادبيلون: صيام 24 ساعة متواصلة، من الغداء للغداء، أو من العشاء للعشاء. يمكنك القيام بذلك من مرتين إلى ثلاث مرات أسبوعيا.

* نمط صيام الأيام بالتناوب: كما يوحي الاسم، يوم إفطار ويوم صيام.

* حمية المحارب ابتكره خبير اللياقة البدنيةأوريهوفميكلر: ويعني هذا الصيام طوال اليوم وفترة الأكل مقتصرة على الخضار والفواكه من الساعة 6-10 مساء، أو لأربع ساعات أخرى يُسمح خلالها بتناول وجبتين صغيرتين فقط.

نظرة أكثر قُربا!

“أصوم من أجل كفاءة جسدية وعقلية أكبر”

- Advertisement -

(الفيلسوف بلاتو)

في حوار مع “ميدان” كانت الفرصة للاستزادة من خبرة الباحثة في بيولوجيا السرطان والأمراض الاستقلابية من المستشفى الجامعي هايدلبرغ في ألمانيا الدكتورة علياء كيوان. وفي سؤالها مُباشرة عن الفوائد السحرية التي تُشاع حول هذا النمط من الصيام وخصوصا فيما يتعلق بالأمراض والوقاية والسرطان تحديدا فقالت: “نعم، هناك العديد من البحوث التي تعمل على دراسة فوائد الصيام المتقطع وأثره على الصحة، وخصوصا في مجال دراسة بعض الجينات المسؤولة عن وظائف فسيولوجية مهمة في الجسم وتلك التي لها علاقة بالشيخوخة ومقاومة السرطان المناعي وتحسين المزاج. وبذكر الشيخوخة، فإن هناك العديد من الدراسات التي أكدت دور الحمية الغذائية في إطالة العمر، وهنا لا أعني نوعا معينا من الحميات، بل أعني أهمية التقليل من الطعام وتقليل السعرات الحرارية التي تدخل إلى الجسم. (5)(6) على سبيل المثال: فإن بعض الجينات مثل sirt1 وsirt3 (المسؤولين عن مقاومة الشيخوخة من خلال تحسين عمل الميتوكندريا) يعملان في أفضل مستوياتهما في نسبة سعرات حرارية قليلة، أي في ظروف الحمية الغذائية”. (7)(8)

هذا الخط الرفيع الذي يُفرق بين الحمية والصيام مُربك نوعا ما، وهذا الذي دفع الدكتورة لتوضيح السر الذي يجعل من كفة الصيام المتقطع أن تكون مُرجحة أكثر من الحميات العادية الأخرى، حيث تُوضح الدكتورة أن الصيام المتقطع فوائده تكمن في القدرة على التحكم في تدريب الجسم على الإحجام عن الطعام بشكل مستمر والقدرة على الالتزام بالحميات الغذائية المناسبة بعد ذلك. تضرب مثالا توضيحيا: “لو جلس أحدهم في غرفة معتمة تماما فإنه مع الوقت سيُدرب عينه على التركيز بشكل أكبر حتى يستطيع التكيف ويكون قادرا على إيجاد محتويات الغرفة. وكذلك الحال بالنسبة للأذنين، حيث يستطيع الواحد منا أن يضبط تركيزهما في مكان صاخب أو هادئ على حد سواء”.

وتُكمل لـ “ميدان” أنه في حال الحميات لا يستطيع الفرد خلق حالة من التوازن التي يحتاج إليها جسم الإنسان، لأنها مؤقتة، ولأنها لم تفرض عليه موضوع التكيف على البيئة الحالية. وتُضيف الدكتورة كيوان: “إضافة إلى ذلك، فالحمية تركز على تقليل كميات من السعرات، وبالتالي الشعور بالجوع موجود، بينما في حالة الصيام فإن الجسم يتدرب تدريجيا على تقليل الشعور بالجوع، وبالتالي تكون الفائدة للعديد من الوظائف الفسيولوجية أكبر من خلال التوازن الذي يتم تحقيقه. كثيرة هي الدراسات التي أثبتت تنظيم العمل الهرموني بالجسم مثل الإنسولين وهرمونات أخرى أثبتت فعاليتها بالصيام بينما لم تُثبت فعاليتها في حال اتباع حميات أخرى. ولكن ومع كل هذا نحتاج إلى دراسات أكثر شمولية لعدد من التجارب السريرية للخروج بإجابة واحدة أكيدة عن دور الصيام المتقطع في تحسين الظروف الصحية والفسيولوجية”.

الفوائد المُتراصة جنبا إلى جنب كفة الصيام تدفعنا للتساؤل عن قدرة الجميع على اتباع نمط سحري بالنسبة للوزن، ومفيد للجسم، ومقاوم للأمراض إلى جانب مقاومته لأعراض الشيخوخة ووعده بإكساب طاقة أكبر ومزاج أفضل، وفي سؤال الدكتورة كيوان عن الحالات التي يُحظر عليها اتباع أو تجربة هذا النوع من الأنماط أجابت بأن المرضى المصابين بأمراض مزمنة مثل السرطان والسكري وأمراض الضغط وغيرها تستلزم العلاج والمتابعة الطبية إلى جانب الحوامل ومن هم في سن المراهقة، وأردفت: “لا بد أن نعلم أن لكل مريض حالة طبية مختلفة عن الآخر، حتى لو كان يعاني من المرض نفسه، فإن ناسب الصيام مريضا ما، أو إن كان للحميات أثر في تحسين حالته، فهذا لا يعني بالضرورة أنه سيناسب مريضا آخر. وللأسف يشيع عرض الحميات على منصات التواصل الاجتماعي بشكل عام والتي من الممكن أن تكون مؤذية جدا للمرضى، لذلك الاستشارة الطبية والغذائية مطلوبة وضرورية”.

في نهاية حوارها مع “ميدان” تؤكد الدكتورة كيوان أن هناك ترويجا مبالغا به بالنسبة للفوائد الخيالية للصيام المتقطع، والتي عادة ما تكون من قِبل غير المتخصصين ومن خلال تجارب فردية ليست معتمدة على مصادر بحثية. ولكن للإنصاف فإن فوائد الصيام المتقطع موجودة وبشكل نسبي، ويُنصح به في العديد من المراكز الصحية العالمية، ولكن يحتاج إلى متابعة أكبر لرؤية نتائج صحية مناسبة على المدى الطويل أو تحت الدراسة السريرية.

هل لخسارة الوزن أثر حقيقي؟

“أفضل الأدوية: الراحة والصيام”

(بينجامين فرانكلين)

بابتعاد قليل عن ساحة الفوائد الصحية، ليس تهميشا أو تقليلا من أهميتها، ولكن بغرض تسليط الضوء على الوزن، الذي قد يكون أقل أهمية، ولكنه السبب الرئيسي الذي يدفع الكثير لاتباع حميات من الأساس، مثلما يُبالغ في الفوائد المنسوبة للصيام المتقطع؛ هل يُمكن أن يُبالغ في النتائج التي يتشاركها الجميع على الإنترنت من خسارة الوزن الخيالية والكثير من صور القبل والبعد! مثل: خسرت عشرة كيلوغرامات في شهر! في الواقع، حين يُخزن الجسم الدهون فهو يُخزن الطاقة، وعندما يتم حرمان الجسم من الوجبات فإن الجسم يُحاول التأقلم على ذلك واستهلاك الطاقة المُخزنة. وهذا يتطلب تغييرات في نشاط الجهاز العصبي، إلى جانب تغير العديد من الهرمونات التي من شأنها أن تتسبب في خسارة وزن حقيقية إذا تم الالتزام بنمط الصوم، مثل:

* الإنسولين: الذي يزيد عندما نأكل. انخفاض مستوياته في الجسم يُسهل من عملية حرق الدهون. (9)

* هرمون النمو البشري (HGH): ترتفع مستويات هرمون النمو خلال الصيام، حيث تزيد بمقدار 5 أضعاف. هذا الهرمون يمكن أن يساعد في فقدان الدهون وزيادة العضلات. (10) (11) (12)

* الجهاز العصبي والنورادرينالين: يرسل الجهاز العصبي النورادرينالين إلى الخلايا الدهنية، مما يجعلها تحلل الدهون في الجسم إلى أحماض دهنية يمكن حرقها من أجل الطاقة. (14)(15)الخُرافات حوله..

“للصيام والابتعاد عن شهوة الطعام مُكافآت عديدة، أكبرها قُربي من الله وتقديري ورضاي عن الجسد الذي خلقه”

(غاري رورماير، 21 يوما من الصلاة والصوم: دليل الصيام للإنجازات الروحية)

إن المُبالغة في الفوائد التي تُنسب للصيام المُتقطع من شأنها أن تُولّد أيضا الكثير من المغالطات والأخطاء الشائعة حول فهم هذا النمط الذي يستجيب له الجسم بنسب متفاوتة بين شخص وآخر، أحد هذه الأخطاء ذكرناها سابقا حيث إن الصيام المتقطع يُنظر له على أنه حمية، بينما هو نمط يتكيف معه الجسم بصورة أدق. ولكن أكثر هذه المغالطات شيوعا أن الصيام المُتقطع هو مرادف للتجويع، أي إنك في عملية تجويع لنفسك. وهذا خاطئ تماما، فالتجويع يعني المعاناة أو الموت بسبب قلة الطعام، وهو غير متعمد ولا يمكن للشخص التحكم به. أما الصيام فهو فعل مُتعمد، تُحدد به متى تأكل ومتى تمتنع عن الأكل لغايات روحية وصحية وغيرها، حيث إن الطعام متوفر، ولكنك تختار الامتناع عنه. (16)

نسعى جميعنا للحصول على أجساد مثالية وأجسام صحية، نُجرب الحميات المختلفة، ونأخذ المكملات الغذائية، ونواظب على أداء التمارين الرياضية. نحاول أن نسلك درب الوقاية، ونبحث عن ما يؤخر شيخوختنا، ولا شك بأن كل هذه الأمور تستحق محاولاتنا لمختلف الطرق والآليات في سبيل بلوغ تلك النتيجة. وبالنظر للصورة الأكبر ولتاريخ الإنسان، فالصيام كان نمط حياة قديما، قبل اختراع الثلاجات التي تحفظ الطعام، فلم يكن الطعام يتوفر إلا عند الأكل، وتعوّد الإنسان على أن يكون الصيام جزءا أصيلا من ديانته. تطورت أجسادنا لتتماشى مع ندرة الطعام حتى أصبح نمط الصيام متأصلا في طبيعتنا كبشر. تناول أربع وجبات بصورة منتظمة جديد على طبيعة أجسامنا، مما يجعل الصيام المتقطع هو الأصح ولكن بحذر!

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.