تحلم بمعرض في الجو.. تونسية ترسم لوحاتها وتعرضها في أعماق البحر
قد لا يحتاج الرسام إلى أكثر من لوحة وريشة ومرسم ليجنح بخياله عاليا ويرسم أجمل اللوحات وأعمقها، أما هي فاختارت أن تجعل من البحر مرسمها الكبير، وأن تغوص في أعماقه لتبدع أغرب اللوحات.
منية الشاهد رسامة من مدينة مساكن بالوسط الشرقي للبلاد التونسية، تمردت على قوانين الفن الكلاسيكي فامتزجت لوحاتها بالملح والماء، وامتثلت لقوانين المد والجزر لتصنع عالمها الفني المختلف.
ريشة وألوان
امتلكت منية الشغف بالألوان منذ الطفولة، وكانت أكبر سعادتها حينما يُحتفى برسمها في الفصل وتبادر معلمتها بتعليقه على الجدار، غير أن الطريق نحو هذه الهواية لم تكن معبدة بالكامل ولم تمنحها الظروف فرصة لدراسة الفن التشكيلي على أصوله في إحدى الجامعات المختصة، فلجأت إلى تنمية قدراتها بوسائلها الخاصة.
وكان انضمام منية إلى أحد النوادي المتخصصة في الرسم سنة 2002 قد ساعدها على تعميق معرفتها بأصول الفن التشكيلي وتقنياته، بالإضافة لحرصها على زيارة العديد من المعارض ومواكبة أعمال كبار الفنانين في تونس وخارجها.
وتقول منية الشاهد للجزيرة نت إنها إنسانة تعشق البحر منذ الطفولة وكانت تواظب على السباحة بحكم انتمائها لمدينة ساحلية، وإنها ظلت تبحث لسنوات عمن بإمكانه أن يحتضن مواهبها ويطورها ويجسم عشقها للعمق في بعديه الحقيقي (البحر) والمجازي (الفن).
وكانت منية قد تلقت سنة 2013 تدريبا في الغوص لمدة سنتين بنادي الغوص بمرسى القنطاوي بمحافظة سوسة بالساحل التونسي، مما شكل تحولا مهما في مسارها الفني.
تكوين في الغوص
تقول منية الشاهد للجزيرة نت “تعلمت الغوص خصيصا من أجل ممارسة فن الرسم تحت الماء.. الرسم تحت الماء كان فكرة مجنونة، ولكنني آمنت بها رغم الصعوبات التي وجدتها في البداية فتمسكت بتحقيقها واعتبرتها بمثابة الحلم”.
واجهت منية صعوبات في إيجاد التوليفة اللونية المناسبة القادرة على الصمود في الأعماق، وجربت العديد من الخامات والألوان والتقنيات للتوصل إلى الطريقة القادرة على تثبيت الألوان على اللوحات تحت الماء، لتتطور التجربة مع الوقت ويكبر حلمها من مجرد رسم لوحات إلى إقامة معرض تحت الماء.
وتضيف منية “إذا نجح الفن التشكيلي في الخروج من فضائه الضيق إلى الشارع وإلى الطبيعة وإلى الكون الافتراضي والمواقع الاجتماعية، فهو قادر أيضا على الخروج إلى البحر بل إلى أعماقه، من هنا تشكلت لدي فكرة إطلاق أول معرض للفن التشكيلي في أعماق البحر وذلك بمارينا القنطاوي”.
وحمل المعرض عنوان “نقطة ضوء”، وضم 45 لوحة وتواصل ليومين بمساهمة من نادي الغوص بالمحطة السياحية مرسى القنطاوي بالساحل الشرقي للبلاد التونسية، وتابعه العديد من الزوار سواء عبر الشاشات الضخمة التي تم تركيزها لنقل حيثياته في فضاء مارينا أو عبر الغواصات الزجاجية (الأكواسكوب).
وحضر المعرض زوار تونسيون وأجانب، وحرصت منية خلاله على توجيه رسالة مفادها أن تونس تبقى أرضا نابضة بحب الحياة والعطاء.
رسائل ومعان
وتسعى منية الشاهد إلى توظيف الريشة والألوان وتحميل لوحاتها رسائل للدفاع عن قضايا بيئية واجتماعية بالأساس، مثل المحافظة على البيئة البحرية والهجرة غير الشرعية وقضايا المرأة بمختلف إشكالاتها.
وتشير إلى أن آخر لوحاتها حملت عنوان “شهيدة لقمة العيش”، في إشارة إلى الفاجعة التي شهدتها منطقة السبالة من محافظة سيدي بوزيد في الوسط الغربي للبلاد التونسية، في الأسابيع القليلة الماضية التي توفي فيها 12 شخصا في حادث مرور أغلبهم من العاملات في القطاع الفلاحي.
وتقول منية حول طموحها مستقبلا “طموحي ليس له حدود وبحثي سيظل مستمرا وحلمي دون نهاية.. أحيانا أفكر في الانتقال بتجربتي من أعماق البحر إلى أعالي الجو، وسيكون رائعا لو قمنا برسم لوحات ونحن نحلق في السماء، فأنا واثقة أن التجربة ستكون مثيرة ومدهشة”.المصدر : الجزيرة
التعليقات مغلقة.