“لسنا وحدنا”.. خطة ناسا للبحث عن حضارة خارج كوكب الأرض
يقول رئيس معهد “البحث عن حياة ذكية خارج الأرض” التابع لوكالة ناسا الأميركية جيل تارتر، أن البحث عن حياة ذكية خارج الأرض، يشبه محاولة إصطياد سمكة عبر غمس كوب في المحيط. أرجحية الامساك بسمكة عبر الكوب ضئيلة جداً جداً، ولكن هذا لا يعني أن المحيط لا يعج بالأسماك.
في عددها الورقي لشهر آذار/مارس 2019، عنونت مجلة “ناشونال جيوغرافيك” نسختها الورقية بـ”لسنا وحدنا”. بين طيّات المجلة الأميركية، تحقيق ضخم يتألف من 31 صفحة، كتبه الصحافي الأميركي جيمي شْريف يتناول ما ستفعله تكنولوجيا أبناء كوكب الأرض بمجرة درب التبانة. حمل التحقيق عنوان “من هناك؟ اكتشافات جديدة تظهر أننا لسنا وحدنا في الكون. من هناك؟، كيف نبحث عن الحياة، وكيف نجري اتصالاً”.
يبدأ التحقيق بالتنويه بالقفزة العلمية الكبرى التي حققها تلسكوب “كيبلر”، وهو أضخم مشروع تكنولوجي فضائي أطلقته وكالة “ناسا” عام 2012. حتى وصفته المجلة كلحظة “خشوع” بشرية على ضوء ما حققه المشروع من انجازات فضائية ستغير حتماً، رؤية سكان كوكب الأرض للكون المحيط بهم.
في تشرين الأول من العام الماضي أسدلت ناسا الستار على تلسكوب كيبلر بعد نفاذ وقوده. أتم كيبلر مهمته على أكمل وجه، بعد ستة سنوات أمضاها سابحاً في الفضاء، مقدماً مئات الصور والنتائج عن مجرة درب التبانة، ورافعاً مرتبة نظرية “إمكانية وجود حياة على كوكب آخر في مجرة درب التبانة” إلى مستوى جديد، يفرض علمياً، تنزيه النظرية من أي وهم أو تشكيك.
خلال سنوات خدمته، رصد كيبلر أكثر من 4000 كوكب من منظومات شمسية منتشرة في مجرة درب التبانة، وأطلق عليهم علماء الوكالة إسم “كواكب خارجية”، من بينها كواكب تدور حول نجم واحد واخرى تدور حول نجمين، وكواكب تدور في مسارات عشوائية. عدد قليل جداً من الكواكب التي راقبها التلسكوب يقارب حجمها حجم الأرض وموجودة في منطقتين، الأولى مصنفة كـ”قابلة للحياة” والثانية مصنفة كـ”قابلة لنشوء حياة ذكية”، تبين لناسا ان الكواكب لديها ظروف مناخية متوسطة، أي ليست ساخنة جداً ولا باردة جداً، كما قدم “كابلر” مئات النتائج عن تبدل مناخات هذه الكواكب وحصول انفجارات بركانية.
في الصفحات الأولى من التحقيق كررت المجلة سؤال، هل يوجد حياة على كوكب آخر في درب التبانة؟ لتختم القسم الأول منه بأن كيبلر منحنا إجابة واضحة جداً، “هناك حياة اخرى”، ليست على شكل بكتيرية أو شرايين أنهار جافة كالتي وجدت على كوكب المريخ الفارغ، بل بحسب ما جاءت به هذه الدراسة هناك حياة ذكية جداً. أما في القسم الثاني من التحقيق طرح سؤالاً عن خطة “ناسا” لإكتشاف جيران سكان الأرض، وكيفية التواصل معهم، لتبدأ الإجابة، في أن الوكالة أطلقت نهاية العام الماضي تيلسكوب جديد يدعى “تِس”، الذي سيجري مسحاً ضوئياً جديداً للمجرة وسيعمل على مراقبة حصول انقباض في ضوء النجوم في حال مر من أمامها كوكب.
انتقى “تِس” 50 كوكباً ذات طبيعة مشابهة جداً للأرض، من بينهم 10 كواكب وضعوا ضمن الفئة الخضراء بينما البقية فتقع ضمن الفئة البرتقالية، هذه الكواكب تنتمي إلى الأنظمة النجمية “ألفا سانتوري”، و”بيتا سنتوري” و”بروكسيما ب”. وتؤكد الدراسات أن أفضل مكان يجدر البحث به عن حياة ذكية هي “ألفا سنتوري”، لأن نجمها المشع نسخة رديفة لشمسنا، بينما تُرجح الوكالة بأن على احد الكواكب العشرة، حياة ذكية ومياه وغطاء ضوئي أي أشجار ونباتات لأنهم يقعون في حيّز مكاني يشبه مكان الأرض في المنظومة الشمسية.
عام 2021، سيتلقى “تِس”، مساعدة من زميله تيلسكوب “جيمس ويب”، ومهمته التحقق من آلية تشكل نُظم الحياة على تلك الكواكب المنتقاة. لقد تجاوزت الوكالة مسألة إثبات وجود حياة على كوكب آخر. وحالياً تعمل على تطوير تقنياتها لزيارة تلك الكواكب وإكتشافها عن قرب، ضمن رؤية فضائية شاملة تنتهي مع عام 2025، لتطلق بعدها مهمة آخرى مازالت غير واضحة، بإنتظار ما ستترتب عليه المهمة الحالية من نتائج. تقوم المهمة الجديدة التي انطلقت مع “تس” على أربعة نقاط أساسية، فلمعرفة ما إذا كان كوكب يحتوي على حياة سيقوم “جيمس ويب” بفحص غلافه الجوي والبناء الضوئي المنعكس منه، ونشاط الغازات كثاني أوكسيد الكربون والأوزون والأوكسيجين.
ستحتوي تلسكوبات ناسا الجديدة على أجهزة إستشعار تلتقط بدقة ألوان الكواكب، إذ يعكس البناء الضوئي للأرض اللون الأخضر نتيجة امتصاص الأشجار والنباتات للأزرق والأحمر، وبموازاة ذلك تشير نتائج بحث “ناسا” إلى وجود غطاء ضوئي شبيه للأرض على بعض الكواكب، كما تحدثت عن تشكل غطاء ضوئي بألوان مختلفة. كذلك ستحتوي التلسكوبات على أجهزة لاستشعار وجود حقل مغناطيسي للكواكب لأنه أساسي لنشوء حياة ذكية، ورصد نشاط فضائي شبيه بما يفعله سكان الأرض، واستطلاع حفة الكون وهي مكان تجمع اشعاعات الليزر، بعدما إلتقط تلسكوب قديم إشارة واحدة دلّت على وجود نشاط غريب، وهو ما أولت إهتماماً كبيراً به من خلال ابتكار خلية لتعقب المزيد منه لأنه أوحى لها أنه نشاط فضائي لا يقوم به إلا أذكياء.
عام 2025 ستطلق الوكالة تلسكوب “وي فيرست”، لتنفيذ مسح واسع المجال بالأشعة ما تحت الحمراء لكواكب تبين وجود حياة ذكية عليها، وستكون مهمته، رصد مؤشرات تدل على وجود “حضارات”، واشعاعات ليزر، وانبعاث غازات ملوثة وذلك كله بحسب تحقيق “ناشونال جيوغرافيك”. وسيضم “وي فيرست” قمراً اصطناعياً صغيراً يدعى “ظل النجوم”، وسيسافر الأخير إلى أقرب نقطة تتيح للعلماء إلقاء نظرة خارجية على الكواكب. وبموازاة ذلك سترسل ناسا مسبار مسيّر عبر اشعاعات الليزر، وهدفه الوصول إلى كواكب تبين وجود حياة متطورة عليها.
تبحث ناسا عن شيء أعظم بكثير من مسألة “وجود حياة” على تربة بدائية تنهشها البكتيرية أو أحفور نهر انتهت صلاحيته قبل ملايين السنوات، لذلك أنشأت مركز “الذكاء خارج كوكب الأرض”، الذي سيحلل ما ترصده التلسكوبات. ففي القسمين الاخيرين من التحقيق حديث مباشر عن تشكل حضارات ذكية خارج الأرض. إستخدمت الوكالة لفظ الحضارات كفرضية مرجحة جداً خارج نطاق كوكبنا. إذ تكرر سبع مرات لفظ “حضارات”، وبطبيعة الحال فإن مصطلح الحضارة، يطلق على فعل ذكي يؤسس مجتمع معقد لديه نظام لغوي وبنية اقتصادية واجتماعية وثقافية.
ينتسب إلى مصطلح “الحضارة” نوعان ذكيان استوطنا الأرض: الإنسان الحالي وسلفه الإنسان القديم (النندرثال) المنقرض. من يعلم أي نوعٍ من الحضارات ستكتشفها ناسا. هذه الكواكب العشرة ستحمل أجوبة عن طرق مغايرة لما عهدناه لتشكل الحياة والحضارات في بقعة جديدة في درب التبانة، وهي اكتشافات قد تنقذ الأرض من أزماتها المرتقبة خصوصاً أن الأخيرة تواجه تحديات مخيفة بسبب التكنولوجيا والحروب الذكية وازدياد الفقر والاحتباس الحراري.
على ضوء ما قدمه كيبلر وما ستقدمه بقية التلسكوبات من معلومات، لا تستبعد ناسا أن تكون بعض الحضارات الذكية على كواكب أخرى قد وصلت إلى تكنولوجيا متقدمة، ففي نهاية التحقيق يقول الأستاذ الجامعي أفي لوب، “في حال كانت الحضارات قد استخدمت الليزر، فإن آثاره ستبقى موجود عند حافة الكون”. ستعمل ناسا على تنفيذ اقتراح لوب لفحص الغلاف الجوي لتلك الكواكب والتأكد من وجود “كلوروفيل كاربون” لأنها مادة ملوثة ومدمرة للحياة، وهو ما سيدل على حصول فشل تكنولوجي ذريع واجهته تلك الحضارات. ويقول لوب “من خلال سلوكنا كأرضيين، من المؤكد أن هناك حضارات انقرضت بسبب سوء استخدام التكنولوجيا”.
أمامنا 6 أعوام حتى نمتلك إجابة كاملة عن طبيعة الحياة الذكية التي تجاور أرضنا، أو عن آثار تعود إلى حياة ذكية انقرضت بفعل إرادتها الذاتية. في القرن الماضي استحوذت الكائنات الفضائية على مخيّلة كتّاب الخيال العلمي. تحدثت قصصهم عن أن هناك كائنات ذكية غريبة الأشكال ستغزو كوكبنا. ولكن”آلة” الإنسان الذكية عندما إجتاحت في عام 2012 مساحة لا بأس بها من مجرة درب التبانة، كانت الشيء الوحيد والذكي العائم بعيداً عنا بمسافة تقاس بسنوات ضوئية أو بترليونات الأميال.. يبدو أننا إلا هذه اللحظة، نحن الكائنات الفضائية.
التعليقات مغلقة.